فى أحدث نشرة لأخبار المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر نقرأ ما يلى:
*يوم 28/8 عقد المجلس مؤتمرا صحفيا لإعلان نتائج زيارة وفده لسجن العقرب شديد الحراسة، الذى يثار لغط كبير حول سوء المعاملة فيه. فى بداية المؤتمر استعرض رئيس وفد المجلس حافظ أبوسعدة موضوعات الشكاوى التى سبق أن تلقوها فى هذا الصدد. وقد تركزت حول تقصير مدة الزيارة إلى عشر دقائق ثم منعها نهائيا منذ ثلاثة أشهر ومنع دخول الأغطية للنزلاء والأدوية للمرضى، وإغلاق مقصف السجن ومنع دخول المواد الغذائية والاكتفاء فى الزيارات بإدخال عينات رمزية منها (خمس ملاعق من الأرز وقطعة صغيرة من البروتين توضع داخل كيس صغير من البلاستيك).. إلخ.
فى المؤتمر الصحفى الاستثنائى قال المتحدثون من أعضاء المجلس إنه تبين لهم أن الشكاوى غير صحيحة وأنه لا توجد مخالفات تذكر فى السجن، الذى تمضى فيه الأمور بشكل طبيعى لا يدعو إلى القلق.
فى اليوم التالى أصدر محمد عبدالقدوس، عضو المجلس، وعضو الوفد الذى زار السجن، بيانا، قال فيه إنه اعتذر عن عدم حضور المؤتمر الصحفى السابق ذكره لأن له وجهة نظر مخالفة لما حدث فى الزيارة، ولخص ملاحظاته فى النقاط التالية: أنهم أبلغوا يوم ٢٦/٨ بأن الزيارة ستكون لسجن أبوزعبل. ثم فوجئوا قبل الانطلاق بدقائق بأنها ستكون لسجن العقرب الذى رفضت الداخلية فى السابق طلبات لزيارته. وأنه أدرك أن كل شىء كان مرتبا لتحسين صورة السجن والادعاء بجودة طعامه ووفرة السلع فى المقصف الذى كان مغلقا وتم فتحه. كما انتقد الزعم بوجود الرعاية الصحية رغم وفاة بعض النزلاء بسبب عدم وجود العلاج، كذلك انتقد نفى منع الزيارات رغم أن المنع محل إجماع بين الأهالى والمحامين. تحدث فى البيان أيضا عن المحاكمات الظالمة التى يحبس المتهمون فيها داخل أقفاص زجاجية. وإذ شكا من التعذيب فى مقرات جهاز الأمن الوطنى، فإنه أشار إلى أن السجناء الثلاثة الذين التقاهم الوفد أثناء الزيارة لم تبد عليهم آثار للتعذيب ولم يتحدثوا إليهم فى هذا الموضوع.
* يوم أول سبتمبر انسحب ثلاثة من أعضاء مجلس حقوق الإنسان من اجتماعهم الشهرى اعتراضا على تقرير زيارة سجن العقرب. والثلاثة هم الأساتذة كمال عباس ومحمد عبدالقدوس وراجية عمران، وذكرت صحيفة «الشروق» أن جورج إسحاق، عضو المجلس، الذى لم يحضر الاجتماع بسبب سفره للخارج، أعلن تضامنه مع المنسحبين وطلب إدراج توقيعه على البيان الصادر باسمهم. أضافت «الشروق» أن مشادة حدثت أثناء الاجتماع بين حافظ أبوسعدة، رئيس الوفد، والأعضاء الثلاثة السابق ذكرهم أدى إلى انسحابهم من الاجتماع. وذكرت راجية عمران أن الزيارة تمت دون علم بقية الأعضاء وأنها استبعدت من الوفد، كما أنها سجلت اعتراضها على تصوير الداخلية للوفد أثناء زيارة السجن رغم أن هناك اتفاقا مسبقا يحظر ذلك. أضاف كمال عباس فيما نشرته «المصرى اليوم» قائلا إنه فى ترتيب الزيارة تم الاتصال بأعضاء معينين من المجلس واستثناء آخرين. ثم إنهم فوجئوا بأن الداخلية قامت بإنتاج فيلم حول الزيارة على غير المألوف. الأمر الذى من شأنه أن يلغى الواقع الحقيقى للأوضاع فى سجن العقرب. وعلق نائب رئيس المجلس عبدالغفار شكر فى «الشروق» بقوله إن الداخلية حاولت أن تدافع عن نفسها وتبيض وجهها بذلك الفيديو.
* الأستاذ عبدالغفار شكر الذى لم يحضر الاجتماع قال إن انسحاب الأعضاء يؤكد أن المجلس يضم أعضاء يحرصون على قيام المجلس بدوره على الوجه الأكمل، واختلافهم ظاهرة إيجابية وليس سلبية. أما عضو المجلس شاهندة مقلد فقد اعتبرت أن الزيارة «إنجاز»، لأن الداخلية دأبت على رفض الاستجابة لذلك الطلب منذ عدة سنوات.
جريدة «المصرى اليوم» ذكرت أن الأزمة بدأت حين قال السيد محمد فائق، رئيس المجلس، فى بداية الاجتماع، إن الانتقادات التى وجهت إلى زيارة الوفد على مواقع التواصل الاجتماعى صدرت عن أشخاص ينتمون إلى أقصى اليسار وإلى جماعة الإخوان. إلا أن راجية عمران قاطعته بصوت عال قائلة: لو كانوا ناصريين هل كان دعمهم مهما وذلك قبل انسحابها مع زميليها وخروجهم من الاجتماع.. انتهت النشرة.
إذا قال قائل إنه لا جديد فى النشرة، التى عرفتنا بما نعرف فلن أختلف معه. ذلك أن أحدا لم يتوقع أن يصدر وفد المجلس بيانا يتحدث فيه عن حقيقة ما يجرى فى سجن العقرب أو فى غيره من السجون المصرية. حيث لا يتصور عقل فى الأجواء الراهنة أن تشكل الحكومة من جانبها مجلسا يقوم بانتقاد ممارسات وزارة الداخلية. كذلك أحسب أن كثيرين لم يفاجأوا حين بينت قرائن المشهد أن بعض أعضاء المجلس يمثلون الداخلية بأكثر مما يمثلون المجتمع المدنى. مع ذلك فإن ما جرى يستدعى عدة ملاحظات منها ما يلى:
* إن ما جرى لا يطمئننا على مستقبل حقوق الإنسان فى مصر. بل إنه لا يطمئننا أيضا على حقيقة الدور الذى يراد للمجالس المشكلة أن تقوم به، وهل المقصود بها خدمة السلطة أم خدمة المجتمع.
* إن الداخلية حين رتبت زيارة سجن العقرب بعد طول ممانعة، فإنها أرادت أن تخرج «فيلما» يحسن صورتها ويرد الانتقادات التى وجهت إليها، وذلك ما حدث حقا. إلا أنها أسهمت دون أن تقصد فى إخراج فيلم آخر صور حقيقة الدور الذى يقوم به المجلس فى التستر والتبرير.
* الأخطر مما سبق أن المشهد أقنعنا بأن لدى الداخلية ما تريد أن تخفيه، وهو ما يفتح الباب واسعا للتكهنات. إذ ليس بمقدورنا أن نعرف حقيقة ما يجرى فى سجن العقرب أو السجون الأخرى أو فى مقار جهاز الأمن الوطنى. ولا يكفى فى ذلك لأسباب مفهومة أن تستعين الداخلية ببعض رجالها فى الإعلام أو مجلس حقوق الإنسان. وما لم يسمع صوت المسجونين وأهاليهم والمحامين والمنظمات الحقوقية المستقلة، فلن نستطيع أن نتعرف بصورة موضوعية ومنصفة على تلك الحقيقة.
* ليس الأمر مقصورا على تغييب حقيقة ما يجرى فى السجون المعروفة، لأنه فى ظل التعتيم والالتفاف الحاصل فإن الباب انفتح أيضا للذهاب إلى أبعد فى إساءة الظن. ذلك أن هناك لغطا آخر مثارا حول ما إذا كانت هناك سجون أخرى سرية يودع فيها المختفون قسريا. وهو ما تحدثت عنه بعض الصحف البريطانية، كما تساءل عنه قبل أيام الأستاذ جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
إننا نريد أن نطمئن ونتفاءل لكن القرائن التى تتوافر لنا كل حين لا تساعدنا على ذلك.