توقيت القاهرة المحلي 21:21:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وددت أن أكون بوليفيًا

  مصر اليوم -

وددت أن أكون بوليفيًا

فهمي هويدي

لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون بوليفيا. كان ذلك تعليق الأسبوع الذى عبرت به عن تقدير موقف بوليفيا التى أعلنت إسرائيل دولة إرهابية، وقطعت علاقاتها معها احتجاجا على حملة الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التى ترتكبها فى غزة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.

لم تكن بوليفيا وحيدة فى ذلك. ولكن ذلك الموقف الشريف تبنته دول أخرى فى أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والإكوادور وفنزويلا وكوبا، فضلا عن دول أخرى سحبت سفراءها من الدولة العبرية هى تشيلى وسلفادور وبيرو.

هذا الغضب الذى أعلنته دول أمريكا اللاتينية وعبرت فيه عن رفضها للممارسات الإسرائيلية وتضامنها مع الشعب الفلسطينى، توازى مع مظاهرات عدة خرجت فى العديد من العواصم الأوروبية نددت بالسياسة الإسرائيلية وطالبت الدولة العبرية بوقف عدوانها الهمجى. فى ذات الوقت تابعنا خلال الأيام الماضية بيانات المنظمات الحقوقية الدولية ومفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التى انتقدت وحشية إسرائيل وتعمدها قتل المدنيين بالمخالفة للقوانين والأعراف الدولية. ولا ينسى أحد صورة مسئول «الأونروا» فى غزة الذى انفجر باكيا على شاشات التليفزيون وهو يتحدث فى تعمد إسرائيل قصف المدرسة التابعة للمنظمة الدولية فى غزة، رغم أن إدارتها أبلغت السلطات الإسرائيلية 16 مرة بأنها تأوى مدنيين عزلا لاذوا بها احتماء من الموت الذى بات يتربص بهم فى بيوتهم.

ذلك كله حدث والعالم العربى يخيم عليه سكون مفجع، فلا إدانات رسمية علنية لإسرائيل ولا سحب للسفراء (كما فعلت بعض دول أمريكا اللاتينية) ولا مجتمع مدنيا تحرك ولا مظاهرات خرجت، ولا مساعدات إغاثية قدمت إلا فى حالات استثنائية. وفى حين استمر هدم الأنفاق لإحكام الحصار حول القطاع، فإن الخروج من القطاع حتى للعلاج بات أمرا صعبا للغاية. وخاضعا لشروط قاسية جعلت علاج المصابين استثناء وليس قاعدة.

وفى حين صدم كثيرون فى العالم الخارجى، لصور القتلى والمشوهين والثكالى من الفلسطينيين والخراب المخيم الذى حول الأبراج وبعض الأحياء إلى أطلال وأنقاض، فإن رد الفعل فى العالم العربى كان مخزيا ومخيبا للآمال. سواء على صعيد الأنظمة أو النخب أو منابر الإعلام المكتوب منه والمرئى. وفى وقت سابق أبديت دهشتى مما بدا أنه حياد فى الصراع من جانب بعض الأنظمة العربية. ولكن الواقع تجاوز ذلك الحياد فى وقت لاحق، بحيث صدمنا وأذهلنا أننا صرنا بإزاء انحياز ضد الفلسطينيين وتأييد علنى أو ضمنى لإسرائيل فى مواجهة المقاومة فى القطاع. وهو ما عبرت عنه بعض وسائل الإعلام بصور شتى.

صحيح أن هذا الذى تكشف لنا مؤخرا سمعنا بأمره من قبل، من خلال الشائعات والهمسات واللغط الذى كان يثار بين الحين والآخر، ولكن ذلك كله كان يتداول فى السر ويتناقل من خلال الهمس، الأمر الذى كان يصنفه ضمن الشكوك والهواجس. إلا أن الأمر اختلف تماما هذه المرة. بحيث أن ما كان يتم فى السر ويحاط بدرجات متفاوتة من عمليات التمويه وأستار الإنكار، أصبح يمارس الآن فى العلن وبجرأة تقرع الأذن وتخدش الأبصار وتصدم الضمائر.

هذا الذى أقوله عرضت شواهده بالتفصيل صحيفة نيويورك تايمز التى نشرت فى عدد 30/7 تقريرا عن المشهد العربى الراهن كتبه مراسل الصحيفة فى القاهرة دافيد كيركباتريك. كان عنوانه كالتالى: الزعماء العرب يلتزمون الصمت ويعتبرون حماس أخطر من إسرائيل.

وقد خص بالذكر فى تقريره أربع دول عربية هى مصر والسعودية والإمارات والأردن. ومما قاله إن ذلك الاصطفاف العربى إلى جانب إسرائيل يحدث لأول مرة فى تاريخ الصراع.

ودلل على ذلك بقوله إن العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز أجرى اتصالات هاتفيا مع الرئيس المصرى فى اليوم التالى لبدء الحملة الإسرائيلية على غزة. وطبقا لما نقل على لسان المتحدث باسم الرئاسة المصرية فإن العاهل السعودى لم يوجه أى لوم لإسرائيل ولكنه تحدث فقط عن ضرورة إنقاذ حياة الضحايا المدنيين الذين يدفعون ثمن الصراع، دون تمييز بين الفلسطينيين الذين ظل يسقط منهم أكثر من مائة مدنى شهيدا فى بداية الحملة (عددهم الآن أكثر من 1400) فى حين لم يصب أحد من المدنيين الإسرائيليين بسوء فى الأيام الأولى. (لاحقا قتل إسرائيلى واحد إلى جانب نحو 60 من الجنود والضباط الذين قتلوا فى المعارك) لا وجه للمقارنة بين هذا المشهد وبين موقف رئيس بوليفيا ايفو موراليس، بين موقف الزعماء العرب وأنظارهم فى أمريكا اللاتينية. ولا وجه للمقارنة بين موقف المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وبين موقف الجامعة العربية العاجز الذى بدا أنه انعكاس لمواقف الزعماء العرب المخجلة. بحيث إننا ما عدنا نعرف بالضبط من الذى ينتمى إلى الأمة العربية ويغار على حقوقها من الذى يقف فى صف أعدائها.

من المفارقات أن دول أمريكا اللاتينية التى أعلنت احتجاجها فى وجه إسرائيل فأدانتها وقاطعتها يقودها يساريون فى حين أن أغلب قوى اليسار فى العالم العربى صارت جزءا من التحالفات المضادة للفلسطينيين وللربيع العربى، حتى إن صحيفة «الأهالى» المعبرة عن حزب التجمع فى مصر نشرت فى عدد 23/7 مقالة لأحد الكتاب اعتبر أن تأييد المقاومة خيانة وطنية! الأمر الذى بدا تعبيرا فاضحا عن موقف غلاة اليمين، وصدى للمتغيرات المشينة والمفجعة التى طرأت على خرائط السياسة فى العالم العربى. حتى وجدنا أن نخب أمريكا اللاتينية باتت أقرب إلينا من بعض إخواننا الذين يفترض أنهم «أشقاؤنا». وأن الرئيس موراليس أكثر تعاطفا مع الشعب الفلسطينى من بعض قادتنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وددت أن أكون بوليفيًا وددت أن أكون بوليفيًا



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon