سليمان جودة
لم تكن المحاولة التى جرت قبل يومين، هى المحاولة الأولى للسطو على نصر أكتوبر، لصالح غير أصحابه الحقيقيين، فلقد جرت محاولتان من قبل، باءت كل واحدة منهما بفشل مؤكد، لا لشىء، إلا لأن الحقيقة فى هذا الملف تحديداً، واضحة بما يكفى، وبما يجعل الأعمى قادراً على رؤيتها، كما أنها ساطعة سطوع شمس أغسطس!
فى أيام الرئيس الأسبق مبارك، جرت محاولة ربما لايزال أغلبنا يذكرها جيداً، عندما نشرت مجلة «روزاليوسف» الصورة الشهيرة، التى تجمع السادات مع مبارك، مع الجمسى، مع أحمد إسماعيل على، مع غيرهم من أبطال النصر، ويومها جرى العبث بالصورة، على نحو معين، بما يؤخر موضع السادات فيها، ويقدم آخرين عليه، ولأن العبث كان أكبر من القدرة على الاحتمال، ولأنه كان أضعف من أن يمر، فإن اعتذاراً قد صدر عما حدث، ولم يفكر الذين مارسوا ذلك العبث الطفولى فى ذلك اليوم، فى أن يعودوا إلى ما فعلوا مرة أخرى، لأن رد الفعل الغاضب من قطاعات كبيرة فى الرأى العام، قد أكد لهم أن لنصر أكتوبر أصحاباً على رأسهم السادات العظيم، وأن أصحابه لا يمكن أن يسمحوا لأحد، أى أحد، بأن يسطو على ما أنجزوه عام 1973 بدمائهم، ودماء كل ضابط مصرى خاض المعركة، أو حضرها، وكذلك كل جندى.
فلما جاء الإخوان إلى السلطة، فى غفلة من الأيام، وفى غفلة من المصريين فى غالبيتهم، جرى ما هو أبشع، وأفظع، وأسوأ، عندما جمع محمد مرسى مجموعة من القتلة، وحشدهم فى الاستاد، للاحتفال بذكرى نصر أكتوبر العظيم!
وكان المشهد على بعضه، فى تلك اللحظة، أقرب ما يكون إلى ملهاة يونانية قديمة، منه إلى أى شىء آخر، ولأن الإخوان لم يفكروا فى السطو على «أكتوبر» وحده، ولأنهم كانوا قد فكروا، ثم قرروا السطو على البلد كله، فإن الله تعالى كان لهم بالمرصاد، فسقطوا إلى القاع سريعاً، وعادوا إلى حيث كانوا قد أتوا، وكشفهم الله، قبل أن يكشفهم المصريون، وقبل أن يزيحوهم من السلطة فى معجزة ربانية استيقظت عليها الدنيا يوم 30 يونيو 2013.
ثم كانت المحاولة الثالثة، مع بدء احتفالات أكتوبر، هذه الأيام، عندما فوجئ كثيرون بأن هناك من يحاول أن يحرك صورة السادات، باعتباره بطل النصر، جانباً، ليضع إلى جواره صورة لعبدالناصر، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يجرى الاحتفال بعبدالناصر، فى ذكرى أكتوبر، فلم يحدث هذا من قبل أبداً، لأنه إذا كان هو الذى حلت بنا الهزيمة على يديه، فى عام 67، فإن السادات هو الذى محاها فى 73.. هكذا باختصار ودون مواربة.
إنها حقيقة لا فائدة من الدوران حولها، أو محاولة إخفائها، وهى كحقيقة لا تقلل بالطبع من شأن عبدالناصر، ولا من دوره فى قيادة حرب الاستنزاف من عام 67 إلى عام 70.. فلا أحد هنا يريد أن يأخذ من عبدالناصر، ولا أن يضيف إلى السادات، وإنما نريد عند الحديث عن نصر أكتوبر أن ننسبه إلى صاحبه الحقيقى، الذى اتخذ القرار، ثم إلى كل ضابط وجندى كانوا حوله فى تلك الأيام.
وإذا كان لنا أن نشير إلى الدرس الباقى، من المحاولات الثلاث الخائبة، فهو أن لـ«أكتوبر» صاحباً، وأن أى محاولة رابعة فى اتجاه الثلاث السابقة سوف يكون مصيرها هو نفسه مصير تلك المحاولات!
ثم إذا كان لنا أن نشير، من بعد ذلك، إلى الدرس الباقى من أكتوبر 1973، لنا فى أيامنا هذه، فهو أننا نستطيع.. نعم.. نستطيع.. وليس أقوى من أكتوبر 73 دليلاً فى هذا المقام.
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة