سليمان جودة
لو أنك سألتنى عن أشياء تميزت بها الكلمة التى ألقاها الرئيس، مساء أمس الأول، فسوف أقول إنها ثلاثة على وجه التحديد:
أما الشىء الأول فهو أنها جاءت كلمة مرتجلة، عفوية، وتلقائية، ولم تكن مكتوبة فى ورقة أمامه، وأظن أنها لهذا السبب كانت واصلة إلى أعماق كل مصرى استمع إليه، فللرئيس طريقة خاصة فى الكلام المرتجل مع الناس، تجعل كل كلمة ينطق بها تخرج مباشرة من فمه إلى قلوب مستمعيه، دون حاجز يعوقها، أو يقف فى طريقها.. وأظن أيضاً أنه يظل فى حاجة إلى كلمة قصيرة من هذا النوع، أسبوعياً، وبشكل منتظم، مع مواطنيه، وأتمنى ممن يحيطون به أن يلفتوا انتباهه إلى حاجته وحاجتنا إلى كلمة كهذه، حتى لا ينشط فى البلد الذين يريدون الصيد فى الماء العكر، وحتى يقطع الرئيس عليهم طريقهم من منبعه.
وأما الشىء الثانى، الذى ميز كلمة الرجل، فهو لغة الأرقام فى حديثه، ولو أردت أن أحيل القارئ الكريم إلى شىء بهذا الخصوص، فسوف أحيله إلى افتتاحية «المصرى اليوم» صباح أمس، وقد جاءت تحت عنوان العبور الجديد.
عبور جديد لماذا؟!.. لأن الرئيس تحدث فيها إلينا، بصدقه الواضح، فى ذكرى العاشر من رمضان، ففى هذا اليوم، من عام 1973، عبرت قواتنا المسلحة الباسلة إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، لتعيد أرضنا المحتلة كاملة، على يد رجل عظيم اسمه أنور السادات.. وحين دار الزمان دورته، من أكتوبر 1973 إلى يوليو 2014، كنا على موعد مع رجل آخر، من نوعية السادات، وكان «رجل 2014» عازماً، كما بدا من كل حرف فى كلامه، على أن يعبر بنا اقتصادياً، هذه المرة، لا عسكرياً كما حدث فى حرب أكتوبر المجيدة فى 73.
وعندما تكتشف من كلامه الذى يشع صدقاً مع النفس، ومع الآخرين، أننا نبدد ملياراً من الجنيهات فى مطلع كل صباح، على الدعم المهدر وما يشبهه، وأنه، كرئيس مسؤول، مصمم على وقف هذا الإهدار لموارد البلد، ليعبر بنا، ونعبر معه، إلى أفق جديد، فأنت، والحال هكذا، أمام رجل يدرك تماماً معنى أن يكون مسؤولاً عن بلد بحجم وعراقة وعظمة بلدنا.
قد يأخذنى الغرور وأتصور أنه استجاب لسطور كتبتها فى هذا المكان، قبل كلمته بـ24 ساعة، أطالبه فيها بأن يخرج علينا، وأن يتكلم معنا، ليقطع الطريق على كل المزايدين، والموتورين، والخائنين لهذا الوطن.. قد يأخذنى غرور كهذا، غير أن الأهم فى الموضوع هو أنه خرج، وأنه تكلم، وأنه بعث بعدة رسائل من خلال كلامه، وأنها جميعاً قد أصابت هدفها، وأنه نجح، إلى حد بعيد، فى «مسح» الكثير من الدموع التى كانت زيادات الأسعار الأخيرة قد خلفتها فى عين كل مواطن يقاتل فى سبيل قوت يومه!
تصور معى، إلى أى حد كان وجه الحياة فى مصرنا سوف يتغير للأفضل، لو أننا أنفقنا هذه المليارات اليومية المهدرة على مراكز بكاملها فى المحافظات، وليس على مجرد قرية هنا، أو هناك.. على التعليم بحاله الذى نعرفه ويؤلمنا، أو على الصحة بحالتها التى نرى بؤسها على باب كل مستشفى؟!
تصور معى، مدى صدق الرجل مع نفسه، ومعنا، عندما يقول إن المقتدر الذى يسكن فيلا تدعمه الدولة بـ4 آلاف جنيه، وربما أكثر، فى الكهرباء، ومثلها فى بنزين سيارته، وإن الدولة ذاتها، لخطأ فادح فى نظام ورثه الرجل، تدعم المواطن الذى يضىء لمبة، أو لمبتين فى شقة متواضعة بـ50 جنيهاً، وأنه - وعلينا أن ننتبه هنا جيداً - يريد العكس على طول الخط!
وأما الشىء الثالث، فهو هذه الصيغة الجديدة، والساحرة معاً، التى يخاطبنا بها الرئيس.. إنه لا يقول: أيها المواطنون.. ولا يقول: أيها الأخوة والأخوات.. ولا يقول: السيدات والسادة.. ولا شىء من هذا القبيل.. إنه يقول: يا مصريين!
يقولها عن قصد، وهو يعرف أنه بها يضع يده على عصب حساس فى وجدان كل واحد فينا، فاعتقادى الخاص أن المصرى الحقيقى، صاحب الولاء الصادق لبلده، لا يملك شيئاً فى حياته أغلى من مصريته، ولهذا يخاطبنا الرجل بأغلى ما نملكه.
"المصري اليوم"