سليمان جودة
فى وقت من الأوقات، طلب الرئيس السادات من رئيس وزرائه سرعة إنجاز مسألة معينة، وبعدها بفترة عاد الرئيس يسأل عما كان قد طلب إنجازه، ولماذا تأخر! فقيل له إن شيئاً لم يحدث بعد، ثم همس رئيس الوزراء فى أذنه - بما معناه - إن وزير النقل فى الحكومة يعرقل إنجاز المسألة المطلوب إنجازها!
كان وزير النقل يومها اسمه على فهمى الداغستانى، وما كاد الرئيس يسمع ما سمع من رئيس حكومته، حتى انفجر قائلاً: الداغستانى؟! هو فاكر نفسه مين؟! أنا لو نزلت الآن من بيتى فسوف آتى بأول رجل أجده فى طريقى على أول ناصية، وسوف أضعه وزيراً للنقل! وسوف يكون وزيراً ناجحاً!
طافت هذه القصة الحقيقية فى ذهنى عندما كان المهندس محلب يشكل حكومته الحالية بشق الأنفس، وعندما كان يفتش عن وزراء جُدد فى كل ركن من البلد، فلا يجد، لدرجة أنه ألغى وزارة الإعلام - مثلاً - ليس لأنه كان يريد إلغاءها، ولكن لأنه لم يجد وزيراً يصلح لها، فى بلد تعداد سكانه 90 مليوناً من البشر!!.. ولابد أن لك، عندئذ، أن تتصور حجم المأساة التى صرنا إليها!
ثم تطوف القصة ذاتها فى ذهنى كثيراً، عندما أكتشف فى كل مكان أذهب إليه أن الناس مشغولون جداً بعدم قدرة الرئيس، حتى الآن، على اختيار مستشارين له فى القصر، الناس مشغولون بالحكاية، وعاجزون عن فهمها، وحائرون فى استيعاب أسبابها!
فالقصة التى رويتها عن السادات العظيم لا معنى لها، سوى أنه رجل كان قادراً على أن يختار المسؤولين من حوله، وبسرعة، وكان مؤمناً بأن كل شخص أمين فى هذا الشعب يصلح لأن يكون وزيراً أو مسؤولاً معه، وكان يعتقد بأن الأمر ليس كيمياء، كما قد نعتقد الآن، وأن البلد ملىء بالذين يستطيعون أن يكونوا مسؤولين، وأن يكونوا ناجحين بشرط أن نُتعب أنفسنا فى البحث عنهم قليلاً، لا أن نأتى بقائمة الأسماء القديمة البالية، ثم نختار منها الوجوه الكئيبة نفسها، وكأن البلد قد أصابه العُقم بكامله!
كان السادات يعرف تماماً أن بلده ملىء بالرجال من حوله، ولذلك لم يكن يواجه مشكلة فى اختيار مستشارين، ولا فى اختيار مسؤولين أو وزراء، ثم لذلك أيضاً كان مستشاروه رجالاً من ذوى القامات، وكان يستشير رجالاً من أمثال حافظ إسماعيل، أو الدكتور على السمان، أو الدكتور محمد عبداللاه، وكل واحد فيهم، كما ترى، كان قادراً على أن يقود بلداً بمفرده، لا أن يكون مستشاراً وفقط، إلى جوار الرئيس!
وبصراحة أكثر: فإن كثيرين ممن ألقاهم مصابون بخيبة أمل، وأرجو صادقاً من الرئيس أن ينتبه إلى هذا جيداً، إذ لا أصادف أحداً فى طريقى إلا يسألنى: مَنْ بالضبط الذى يشير على الرئيس إذا ما أراد اتخاذ قرار.. أى قرار؟! ولأنى لا أملك جواباً، فإن السؤال التالى يكون على النحو الآتى: هل من المعقول أن يظل الرئيس يبحث عن مستشارين لمدة 90 يوماً كاملة؟! هل البلد مُصاب بالعقم إلى هذا الحد؟!.. هل خلا البلد من الرجال والعقول إلى هذه الدرجة؟!.. هل... هل... إلى آخر الأسئلة التى لا ينقطع ترديدها فى أى محفل عام، ثم إلى أن همس أحدهم فى أذنى، قبل أيام، كأنه يخشى أن يكون هناك طرف ثالث يسمعه، فقال: أخشى أن يكون الرئيس قليل الثقة أصلاً فى المدنيين كلهم، وأن يكون هذا هو السبب «الحقيقى» وراء عزوفه حتى اليوم عن اختيار مستشارين طال انتظار الناس لهم، دون بارقة من أمل!
سيادة الرئيس، القلق لدى مصريين كثيرين إزاء هذا الموضوع تحديداً أكبر مما تتخيله، ولم أفعل أنا، فى هذه السطور، سوى أنى نقلت إليك، بأمانة تامة، ما أسمعه فى كل مكان أذهب إليه.. والأمر لك فى النهاية!.. غير أنه إذا كان لك، اليوم، فقد يصبح عليك غداً، وهو ما لا نريده بصدق.. لذا لزم التنويه!