سليمان جودة
كان الرئيس الأسبق مبارك، هو الذى قال فى أول أيامه إن الكفن ليس له جيوب، وكان يريد أن يقول، كما فهم الذين سمعوا عبارته فى وقتها، إنه ليس طامعاً فى مال، بشكل خاص، ولا فى سلطة بالتالى، بوجه عام، غير أن هذا لم يكن يكفيه مجرد الكلام، لأنه كان فى حاجة إلى ترجمة يتحول بها، ككلام، إلى واقع يعيشه المواطنون، ويراه كل واحد فيهم بعينيه.. ولكن هذا أيضاً، على كل حال، قصة أخرى!
تذكرت كلام الرئيس الأسبق، عن الجيوب تحديداً، عندما كنت فى المغرب، مؤخراً، فقرأت فى الصفحة الأولى من صحيفة «أخبار اليوم» المغربية خبراً يبدو طريفاً للغاية، بقدر ما يعكس جدية منهم هناك، بل وابتكاراً، فى مكافحة جريمة الرشوة!
الخبر يقول، إن إدارة ميناء طنجة المتوسط، قد قررت أن يرتدى الموظفون والعمال، فى الميناء، أثناء مداومة عملهم، ملابس دون جيوب، حتى تقضى تماماً على إمكانية أن يحصل أى منهم على رشوة، فى مقابل خدمة المسافرين عبر الميناء!
وحين قرأت الخبر، ظننت للوهلة الأولى أنه من نوع الأخبار الساخرة، غير أنه قد تبين لى حين طالعت تفاصيله، أنه جاد، بل جاد جداً، وأن إدارة الميناء قد قالت للجنة برلمانية راحت تفتش على أعماله، إن هذه الطريقة فى مكافحة الرشوة قد تم تنفيذها فعلاً، وقد جاءت بنتائج عملية ناجحة ومفيدة!
ولا أعرف ما إذا كان لحكومتنا أن تدرس هذه التجربة الطريفة، وأن تستفيد منها أم لا، ولكن ما أعرفه أن مثل هذه الرشوة الصغيرة قد شاعت عندنا بأكثر مما هو محتمل، وخصوصاً فى المستويات الدنيا من الأعمال اليومية فى حياة المواطنين، وأنها فى حاجة لحل مماثل ربما للحل المغربى، وإلا، فما معنى أن يتغير اسمها من رشوة إلى «إكرامية»، وأن تذهب أنت لتنجز أى عمل، حتى ولو كان بسيطاً، فتلاحظ أن الموظف، أو العامل، يتلكأ مرة يميناً، ومرة شمالاً، لعلك تنتبه وتستجيب!
أحياناً تسمع كلاماً سخيفاً، من نوعية أن الموظف أو العامل، من هذا النوع، معذور، وأن دخله لا يكفيه، فماذا يفعل، وهو كلام رغم أنه صحيح فى مضمونه إلا أن الحل لا يكون بالتساهل فى الموضوع، وإنما يكون بأن نظل نضغط على الحكومة، حتى تعطى موظفيها، وعمالها، ما يكفيهم، فلا يكون لأحد منهم عذر!
هناك نكتة يتداولها الإخوة فى المغرب فيما بينهم، على سبيل السخرية، من المسألة كلها، وتقول بأن رجلاً راح يوماً يسجل اسم مولوده الجديد فى مكتب المواليد، فسأله الموظف المختص عن اسم المولود، فقال الأب إن اسمه أبوبكر الصديق، فما كان من الموظف إلا أن رد بأن الأسماء الطويلة والمركبة ممنوعة، فلما دس الأب بعض أوراق النقد فى يد الموظف قال بسرعة: هل تريد أن أضيف عبارة «رضى الله عنه» إلى الاسم؟!
النكتة رواها الكاتب المغربى عبدالله الدامون، فى مقاله بالصفحة الأولى من صحيفة «المساء» المغربية، أمس الأول، وهو يطلب من حكومة عبدالإله بن كيران هناك، أن تمنح القضية اهتماماً أكبر، وأن تكافحها بكل الطرق.
والمفارقة، أن صحيفة مغربية أخرى ذكرت، فى اليوم نفسه، أن حكومة بن كيران سجلت تقدماً بلغ 11 درجة، فى مكافحة جريمة الرشوة، وفق تقرير رسمى لمؤسسة الشفافية الدولية، وهو ما يظل يحسب لها كحكومة قطعاً، نسأل نحن هنا مسؤولينا الذين يعنيهم الأمر عن مقدار ما حققناه من جانبنا من تقدم فى الاتجاه نفسه، ووفق تقارير المنظمة ذاتها، إذا ما قامت مقارنة جادة بين حكومة فى القاهرة وأخرى فى الرباط؟!