سليمان جودة
الجمعة قبل الماضى، سمعت من أشرف سالمان، وزير الاستثمار، أنه سوف يعرض على مجلس الوزراء، صباح الأربعاء، تقييماً شاملاً لشركات القطاع العام، التى اشتهرت بيننا، فى السنوات الأخيرة، بمسمى آخر هو شركات قطاع الأعمال!
يومها، كنت أسأل الوزير عن حال «عمر أفندى»، كشركة بيعت بسبب خسائرها الفادحة، ثم أعيدت إلينا مرة أخرى، ومعها بالطبع خسائرها التى تضاعفت، وأصبحت الدولة، من يوم إعادتها، تنفق عليها من لحم الحى!
ويومها، أيضاً، سمعت من الوزير كلاماً يدعو للتفاؤل عن رؤيته للاستثمار فى هذه الأيام، وكيف أنه يريد، من خلال عمله، أن يشعر كل مستثمر بأن ثورتين قامتا فى البلد، وبأن ما كان يواجهه هو كمستثمر، قبلهما، لن يصادفه بعدهما.. وهذا، على كل حال، ما سوف تقول به التجربة وحدها، والواقع العملى وحده، فى حياة أى شخص راغب فى أن يوظف ماله استثمارا على أرض هذا البلد، وينتظر عوناً، لا تعويقاً!
غير أنى، فى اللحظة ذاتها، أريد أن أعرف، مع غيرى، ماذا تم فى اجتماع الأربعاء، وما إذا كان التقييم الشامل إياه قد تم عرضه فعلاً، أم أنه تأجل، أم حصل على موافقة ومباركة مجلس الوزراء، أم ماذا بالضبط؟!
فالدولة التى تطالب أصحاب الأعمال، والقادرين فيها، بأن يمنحوا مصر بعضاً مما عندهم، لابد أن تكون هى، كدولة، قدوة ونموذجاً يحتذى به الآخرون فى هذا الاتجاه تحديداً، وعندها سوف يستحيى كل واحد من هؤلاء الآخرين، سواء كان صاحب أعمال، أو قادراً بوجه عام، من أن يتخلف عما تدعوه الدولة إليه، وسوف يبادر بالاستجابة، ولن يتخاذل.
ولن تكون الدولة كذلك إلا إذا أظهرت حرصاً دقيقاً على كل قرش فى المال العام - أقول كل قرش لا كل جنيه - ثم أظهرت، بالقدر ذاته، تقشفاً فى إنفاقها العام، يشعر به كل مواطن، ويحسه، ويكون بالتالى سنداً للدولة، وداعماً لها فيما تذهب وتدعو إليه كل مواطنيها.
ولا خلاف على أن الطريق إلى الحرص الحقيقى على المال العام يبدأ بهذه الشركات التى يقال عنها شركات قطاع أعمال، أو قطاع عام.. أياً كان المسمى.. إذ المهم فيها أنها مملوكة للشعب فى عمومه، وأن هذا الشعب إنما يشكل، فى مجموعه، الجمعيات العمومية لشركات كهذه، ولابد لهذا السبب من أن يخرج الذى يعنيه الأمر، خصوصاً رئيس الحكومة، ومن ورائه وزير استثماره، ليقول كلاهما لكل مواطن، باعتباره عضواً فى عمومية هذه الشركات، ماذا تم فيها، وكم عددها الآن، وكم عدد التى تكسب منها، وكم عدد التى تخسر، وكم تخسر، وماذا سنفعل بها، أو معها، وفى أى مدى زمنى بالضبط؟!
وعندما ضربت المثل بـ«عمر أفندى» فلأنه نموذج صارخ فى مجاله، ولأنه إذا كان قد ظل يخسر وينزف من مالنا العام، على مدى سنوات، ولايزال، باعتبار أنه بلا صاحب، فهذه العبارة الأخيرة غير صحيحة بالمرة، لأن عمر أفندى له صاحب أصيل، هو هذا الشعب، ولأن هذا الصاحب من حقه أن يعرف كل شىء عما يملكه، ولأن عدم حضور الشعب، كصاحب للمال العام، فى هذه الشركات كلها، طوال سنوات مضت، ليس معناه أنه غير موجود.. لا.. فهو موجود طوال الوقت، ولكنه كان غائباً، أو مغيباً، وقد آن له أن يحضر، وأن يقال له كل شىء محدد عن ماله العام، وأن يتوقف نزيفه بجد!
إننى أرجو، صادقاً، أن ينتبه المهندس محلب إلى أنه عندما يزور «الحديد والصلب» مثلاً، أو «غزل المحلة»، أو أى شركة غيرهما، فإنه يذهب لطمأنة العمال هناك والموظفين على رواتبهم، وربما على مستقبلهم، فى حين أن المطلوب، بالأساس، طمأنة أصحاب المال، قبل الموظفين والعمال.
أصحاب المال فى شركات قطاع الأعمال هم كل بنى آدم بين أفراد هذا الشعب، ومن حق كل واحد فيهم أن يطمئن على ماله.