سليمان جودة
تساءلت فى هذا المكان، صباح أمس الأول، عن حال شركة «عمر أفندى» هذه الأيام، بعد أن مضى عام تقريباً على استردادها من المستثمر العربى الذى كان قد اشتراها، خاصة أن عملية الاسترداد ذاتها قد تم تصويرها فى حينها، وكأنها فتح من الفتوح!
أردت من جانبى أن أطمئن على حالها لا أكثر، وأن أرى ما إذا كانت تربح الآن، وتتجاوز خسائرها الفادحها السابقة، أم أنها لاتزال عبئاً على الدولة بعد بيعها، ثم استردادها، كما كانت بالضبط قبلهما؟!
لقد اختفت أخبارها تماماً، بعد أن ظلت، لمدة طويلة، مادة يومية لأخبار فى الصفحات الأولى من الجرائد، وعلى شاشات المساء، وكان لابد أن نقلق، وأن نسأل عن حال شركة، ليست فى النهاية إلا مثالاً لشركات أخرى كثيرة تشبهها فى سوء حالها!
ولأن الحكومة الحالية تخلو من وزير لقطاع الأعمال، تتبعه «عمر أفندى» وغيرها من شركات هذا القطاع، كما جرت العادة فى حكومات سابقة، فلم أجد غير الوزير منير فخرى عبدالنور، مسؤول حقيبة الصناعة والتجارة فى الحكومة، لأتوجه إليه بالسؤال.. إذ تصورت أنه، بحكم مسؤوليته الحالية، يظل الأقرب إلى الدراية بمثل هذه الشركات وأحوالها، كما أن مسؤوليته عن وزارة الاستثمار، فى حكومة المهندس إبراهيم محلب الأولى، تجعله - أقصد الوزير عبدالنور - أقدر الوزراء على الجواب عما يخص عمر أفندى، وغير عمر أفندى.
وقد تلقيت اتصالاً، ثم رسالة من الرجل، يدعونى فيها إلى زيارة أى فرع من فروع الشركة، لأرى بعينى أنه يخلو من البضائع، ومن المشترين بالتالى، بل ومن البائعين كذلك، وأن صورة كهذه تكفى جداً لأن تصور لنا حال الشركة التى قاتل بعضنا من أجل استردادها من مستثمر قرر ذات يوم أن يتولى أمرها، وأن يحاول إصلاح أحوالها، وأن يرفع عبئها عن الدولة!
ومن رسالة وزير الصناعة والتجارة فهمت أنه عندما أضيفت إليه مسؤولية الاستثمار كوزارة، فى مارس الماضى، اتفق مع المهندس محلب على ألا تتبعه شركات قطاع الأعمال، ومنها عمر أفندى بالطبع، وأن توضع كلها تحت مظلة شركة قابضة، أو صندوق سيادى، تقوم عليه مجموعة من خبراء الاستثمار والاقتصاد الموثوق بهم، وتكون مهمتهم الأولى إعادة هيكلة هذه الشركات على أسس اقتصادية واجتماعية سليمة، بما يجعلها تدر دخلاً على الدولة يتناسب مع قيمة أصولها الرأسمالية.
كلام مشابه، سمعته من السيد أشرف سالمان، وزير الاستثمار، الذى أسعدنى أن أسمع منه رؤية مشرقة للاستثمار بوجه عام فى البلد، وسوف أعود إليها فى حديث منفصل، ثم أحزننى، أن يقول لى إن الدولة تدفع رواتب العاملين والموظفين فى الشركة، وأن حالها لا يسر أحداً، وأن المستثمر العربى، إذا لجأ للتحكيم الدولى، فسوف يكسب قضيته، وسوف يكون علينا أن نعوضه، لأنه لا توجد دولة فى العالم تبيع شيئاً.. أى شىء.. ثم تعود عنه فى اليوم التالى.. لا توجد!
يعنى بالعربى الفصيح، تحولت عمر أفندى إلى ما يشبه البيت الوقف، فلا نحن تركناها فى يد الرجل الذى أراد أن ينقذها، ولا هى، حين عادت، قد عملت بقرش صاغ واحد!
ولذلك، أظن أن الوزير عبدالنور كان على حق، عندما تبنى مشروع قانون خلال فترة إشرافه على «الاستثمار» بما يجعل الطعن على أى عملية بيع، لأى شركة من هذا النوع أمام القضاء، مقصوراً على طرفيها وحدهما، مع التأكيد طبعاً على وجود ضمانات بألا تنطوى أى عملية من عمليات البيع على إهدار جنيه واحد!
ولو أن قانوناً كهذا كان قائماً وقت بيع عمر أفندى، لكانت الدولة فى غنى كامل، الآن، عن دفع رواتب لناس فى شركة ميتة!
والسؤال هو: كم «عمر أفندى» بيننا؟!.. وإلى متى سوف يتحمل اقتصادنا بقاء شركات كهذه تستنزف قواه فى كل ساعة؟!