سليمان جودة
كتبت الدكتورة ليلى تكلا مقالاً فى «الأهرام» أمس الأول، أتمنى أن تكون فكرته الأساسية واصلة إلى كل مصرى، وأن يكون معناه حاضراً أمام عين كل واحد فينا، طول الوقت، وألا يغيب عنا لحظة!
المقال جاء استكمالاً لمقال آخر، كانت الدكتورة ليلى قد نشرته فى الصحيفة نفسها، قبل أسبوعين تقريباً، وفى الحالتين كانت هذه السيدة الجليلة تنبه الجميع إلى أن بلدنا فى حالة حرب حقيقية، على كل جبهة، وأن هذا المعنى يغيب، بكل أسف، عن كثيرين منا أحياناً، وأننا لن نكسب الحرب إلا إذا كان كل مواطن بيننا معبأ بما يكفى، لها، وإلا إذا كان كل إنسان يعيش على أرض هذا الوطن، ويحمل جنسيته، جندياً مخلصاً فى حرب كهذه، ومهيأ لما هو مطلوب منه فيها، وجاهزاً، ومستعداً، ومدركاً لأبعاد اللحظة التى نحياها، كوطن، وكأرض، وكبلد!
«الروح» التى كتبت بها الدكتورة تكلا مقالتيها، كانت عالية للغاية، وقد أحسست من جانبى وكأنها كتبتهما بكل ذرة فى كيانها، بل شعرت وكأنها كتبت كل حرف فيهما، بقلبها وعقلها معاً، قبل أن تكتبه بيدها، وأكاد أقول إنها كتبتهما بدمها.
وفى اليوم التالى لنشر المقالة الثانية، أقصد صباح أمس، قرأت أن الدكتور عادل عدوى، وزير الصحة، أحال خلال زيارة مفاجئة للصالة رقم 3 فى المطار، أطباء الحجر الصحى فيها للتحقيق، بسبب الإهمال المخجل الذى اكتشفه هناك، أثناء زيارته!
قرأت الخبر، وفى ذهنى ما كانت صاحبة المقالتين تقوله قبلهما بـ24 ساعة، فداخلنى يقين بأن الإحساس بالحرب التى يواجهها بلدنا، لم يصل بعد إلى كثيرين بيننا، ومنهم أطباء الحجر الصحى الذين أهملوا فى عملهم على الصورة المحزنة التى كشفها الوزير، فبدا كل واحد فيهم، وكأنه عدو لبلده، أو على الأقل نصير لأعداء بلده، فيما يريدونه بنا!
وقبل ذلك بساعات، كان رئيس حكومتنا، المهندس محلب، قد زار مستشفى الدمرداش، فلم يكن الحال هناك بأفضل منه فى الحجر الصحى، وكم كنت أتمنى لو أطاح رئيس الحكومة بالمهملين فى المستشفى، لعل غيرهم يأخذون درساً، وعظة، وعبرة، ولعل آخرين فى كل موقع يشعرون بأن الإهمال فى أى مكان عمل إنما هو جندى يقاتلنا مع أعدائنا، وفى صفوفهم.
وقبل رئيس الحكومة ووزير الصحة، كان محافظ السويس قد زار إحدى المدارس، فاكتشف غياب الناظر وجميع المدرسين، ولم يجد فيها سوى أحد الفراشين يستقبله!
هذه مجرد حالات ثلاث جرت أحداثها فى أقل من شهر، وكلها تنطق بأن انعدام الضمير فى العمل لايزال أحد أهم التحديات التى تواجه المسؤولين فى البلد فى هذه المرحلة الخطرة، وهى مسألة من طول الاعتياد عليها، فى كل موقع عمل تقريباً، صارت لا تلفت نظر أحد، ولا تستوقف أحداً، مع أنها مرض فى غاية الخطر علينا، وإذا لم يستشعر الذى يحمله، كمرض، مدى خطورته، فلا يجوز على مسؤولينا، خصوصاً رئيس الدولة، ورئيس الحكومة، وبعض الوزراء المخلصين لهذه الأرض أن يسكتوا عنه تحت أى ظرف، ولابد أن يستأصلوه أولاً بأول، وبحسم.
أريد أن أسمع فى كل يوم أن الرئيس السيسى قد زار المكان الفلانى، فأقال المسؤول عنه، على الفور، وأريد أن أقرأ فى كل صباح أن المهندس محلب قد زار الموقع العلانى، فطرد المسؤول عنه، وأحاله للتحقيق الفورى، وهكذا.. وهكذا.. على كل مستوى آخر من مستويات المسؤولية.
الحالة التى تصفها الدكتورة ليلى، فى مقالتيها، حالة حقيقية، ونحن فى سباق مع أنفسنا حقاً، وفى حرب مع كثيرين سوانا، ولا يمكن أن نكسب السباق والحرب معاً، إلا إذا كان الإحساس بـ«الحالة» نافذاً إلى أعماق كل فرد فينا.. فأنصتوا لليلى تكلا واستشعروا الحالة، حالة الحرب، كما تستشعرها هى وزيادة، استشعروها من فضلكم، وازرعوها فى الناس مواطناً مواطناً بأى طريقة.