فى 5 مارس الماضى جاء ثمانية وزراء جدد إلى الحكومة، وكان الشىء اللافت فى التعديل أنه خرج إلى النور مفاجئاً، وأنه استحدث وزارتين جديدتين، هما وزارة التعليم الفنى والتدريب، ووزارة السكان!
واليوم، ونحن على مسافة شهر كامل من تطعيم حكومة المهندس إبراهيم محلب بوجوه ثمانية جديدة، لابد أن يتساءل كثيرون منا عما إذا كان ذلك التعديل قد أضاف جديداً فى الأداء الحكومى الذى يمس الناس فى حياتهم اليومية أم لا؟!
وحقيقة الأمر أنك إذا أردت جواباً أميناً على هذا السؤال، فلابد أن تعود إلى الوراء تسعة أشهر، عندما تشكلت حكومة محلب الثانية، بعد انتخابات الرئاسة مباشرة!
وقتها، كما نذكر جميعاً، أدت الحكومة يمينها الدستورية، أمام الرئيس الجديد، فى السابعة صباحاً، وكنت وقت أداء اليمين فى المطار، وسمعتُ بأذنى تعليقات الكثيرين وهم يتحلقون حول التليفزيون فى دهشة، يتابعون أداء اليمين فى هذا الموعد غير المسبوق!
وكانت التعليقات كلها تصب فى اتجاه أن الرئيس السيسى، الذى كان بالكاد قد قضى أياماً فى الحكم، هو بالطبع الذى اختار هذا الموعد، وهو الذى حدده عن قصد، وهو الذى أراد من ورائه أن يبعث برسالة إلى الجهاز الحكومى فى البلد، مفادها أن الأداء منذ اليوم، أى منذ يوم أداء اليمين، لابد أن يكون مختلفاً، وأن يكون توقيت الأداء نفسه مختلفاً كذلك.
وكان الأمل، فى تلك الساعة المبكرة من ذلك الصباح، أن نبنى بعدها على ما تم، وألا يكون أداء اليمين، فى هذه الساعة من النهار، مجرد منظر ملفت للانتباه، وأن يكون له ما بعده حقاً، بحيث يشعر كل مواطن بأن عصراً مغايراً قد بدأ، وأن «السابعة صباحاً» ليست مجرد موعد مبكر لأداء يمين دستورية أمام رئيس الدولة، وإنما هى أسلوب حياة، أو بمعنى أدق سوف تتحول تدريجياً إلى أسلوب حياة فى أرجاء المجتمع.
مرت ثمانية أشهر، من يمين السابعة صباحاً، إلى تعديل مارس الماضى، وراحت الحكاية، على مدى الأشهر الثمانية، تتوارى شيئاً فشيئاً، حتى كاد النسيان يطويها، إن لم يكن قد طواها فعلاً!
ولم يكن هناك دليل على أن النسيان قد ابتلعها، إلا أن الوزراء الجدد الثمانية قد أدوا يمينهم الدستورية فى الرابعة عصراً، ولسوء الحظ، فإن أحداً بيننا لم يتذكر، وقتها، أن أداءهم لليمين فى هذه الساعة المتأخرة فيه إخلال بالوعد الذى كانت الحكومة قد قطعته على نفسها، حين أدت يمينها من قبل، فى وقت كان كثيرون فيه لايزالون نياماً!
قطعاً، كان الرئيس ينطلق من فلسفة محددة فى العمل، عندما قرر أن يكون أداء اليمين مبكراً على نحو ما جرى يومها، وقطعاً كان يريد أن يقول إن روحاً جديدة لابد أن تحكم عمل الحكومة منذ ذلك اليوم، وقطعاً كان يريد أن يقول إنه لا يكفى أن يعمل وحده، ولا أن يستيقظ مبكراً وحده، ولا أن يواصل أداءه بالروح نفسها وحده، وإنما لابد من «عزف جماعى» إذا جاز التعبير، لأنه إذا لم يكن جماعياً هكذا، فسوف يبدو الصح منه على أنه نشاز، وسوف يبدو الخطأ فيه على أنه هو الصواب!!
الآن أستعيد حكاية السابعة صباحاً، وأصارح الرئيس بأنها فى حينها بعثت فى النفوس الكثير من الأمل المنعش، وأننا كنا نأمل أن يدوم مثل هذا الأمل، وأن يمتد، وألا يخبو على طول الطريق!
أستعيد حكاية السابعة صباحاً، وأفتش عنها حولى، فلا أعثر لها على أثر، وأسأل الرئيس، الذى هو صاحبها، وضامن نجاحها: أين هى؟!.. ثم أسأله: لماذا تفرط فيها بسهولة هكذا، وقد كانت.. لو دامت بشكل جاد.. كفيلة بأن تعيد خلق هذا البلد؟!
لماذا تفرط فى أفكارك الجديدة يا سيادة الرئيس، وتلك مجرد واحدة منها، فتسمح بأن تتدحرج السابعة صباحاً إلى الرابعة عصراً.. وفى ظرف ثمانية أشهر.. لا أكثر.. لماذا سمحت بإجهاضها مبكراً، كما جاءت للدنيا مبكراً؟!