سليمان جودة
قال المشير عبد الفتاح السيسي، في أول حوار تلفزيوني له، كمرشح رئاسي، إن الإخوان لن يكون لهم وجود في عهده، إذا فاز، ولم يحدد نوع هذا الوجود.. هل هو وجود سياسي، أم وجود دعوي، أم أنه يقصد الوجود بكل معانيه؟!
وقد امتلأت التعليقات على ما قال به الرجل، بظلم له، دون أي مبرر، وراح أصحابها يتحاملون عليه، ويتهمونه بأنه يريد القضاء على الجماعة، بل وإبادتها، دون أن يسألوا أنفسهم عن السبب الذي أدى إلى تكوين مثل هذه القناعة عنده، وكيف أن الإخوان أنفسهم، إذا شئنا الأمانة مع النفس، في الكلام، هم الذين غذوا ولا يزالون يغذون هذه القناعة، ليس عند المشير وحده، وإنما عند كل مصري وطني، ضج من عنف الجماعة، ومن إرهابها، ومن حماقتها، كما لم يضج من شيء من قبل!
غير أن هذا موضوع يمكن أن نعود إليه في ما بعد، ليبقى موضوعنا في هذه السطور هو: وماذا عن الإخوان، بعد المشير؟!
ذلك أن عهد المشير، الذي يتكلم عنه، إذا فاز، إنما هو بنص الدستور أربع سنوات، كفترة رئاسية أولى، أو ثماني سنوات لو فاز لفترة ثانية، اللهم إلا إذا جرى تعديل الدستور في عهده، وهو ما أستبعده ويستبعده كل عاقل!
قد يجري تعديل الدستور، وهذا ما أميل إليه، لتكون الفترة الرئاسية ست سنوات، بدلا من أربع، حتى يمكن له، أو لغيره، أن ينجز شيئاً خلال 12 سنة يقضيها رئيساً، لأن حصر الولاية الرئاسية الواحدة في أربع سنوات فقط لا يسعف الرئيس.. أي رئيس.. على إنجاز شيء حقيقي.. أما أن يجري التعديل لينص الدستور، كما حدث أيام السادات، على أن يبقى الرئيس في منصبه، لمُدد، لا لمدتين فقط، فهذا ما سوف يكون مرفوضاً في الشكل، وفي الموضوع.
إننا لو افترضنا أنه سوف يبدأ عهده، بخطة خمسية، فإن هذا معناه أن تنتهي ولايته الأولى قبل أمد الخطة نفسها.. وهكذا.. وهكذا!
فإذا عدنا إلى السؤال الأساسي: وماذا عنهم، كإخوان، بعد عهد السيسي؟! فسوف نجد أنفسنا أمام أمرين اثنين؛ أولهما أن ما يقول به المشير عن أنهم لن يكونوا موجودين في عهده إنما هو حل تكتيكي لا استراتيجي لمشكلتهم، إذا صح التعبير، وثانيهما أنه إذا كان هناك حل استراتيجي، أي على المدى البعيد، للمشكلة التي صاروا يمثلونها، كجماعة مصنفة حالياً بأنها خارجة على الدولة، فهذا الحل بأيديهم هم، وليس في يد المشير، ولا في غير يد المشير!
فالرئيس عبد الناصر تصرف معهم، في عهده، كما يريد السيسي الآن أن يتصرف معهم بالضبط، ولم يكن لهم وجود، من أي نوع، منذ اصطدموا بالرئيس الراحل عام 1954، إلى أن مات عام 1970.
غير أن هذا لم يحل المشكلة، لأنهم عادوا إلى الحياة، من جديد، مع مجيء السادات إلى الحكم.. صحيح أنه هو الذي أعادهم، وصحيح أنه هو الذي دعاهم للعودة، وكان في إمكانه أن يمضي معهم، على ما فعل عبد الناصر بهم، فلا يلومه أحد، ولكن ما حدث أنهم عادوا، كما أن عودتهم تلك إذا كان لها معنى فإن معناها أن عدم وجودهم في عهد المشير، حين يفوز، قد يكون حلا على المدى القصير، فيكون لنا أن نتساءل عن حق، عن الحل ذاته، ولكن على المدى الطويل؟!
أعرف، وأرى بعيني كل يوم أن مزاج المصريين لم يعد يتقبل الجماعة الإخوانية، على أي مدى، ولا على أي مستوى، ليظل السؤال على النحو التالي: وماذا نفعل بهم، أو فيهم، إذن؟!
هل نلقيهم في البحر مثلا؟!.. يا ليت هذا كان حلا ممكنا!
الحل، في ظني، أن يوطّن الذين لا يؤمنون بعنف منهم، ولم يرتكبوه، على أن يكونوا جزءاً «طبيعياً» من نسيج البلد عندما يتقبلهم المزاج العام.. وحين أضع كلمة «طبيعي» بين أقواس فإن القصد منها أن رغبة الذين لم يحرضوا على عنف، ولم يرتكبوه، من الإخوان في العودة إلى الأرض المستوية مع المصريين لا بد أن تكون مقترنة بإدراك كل منهم أنهم إذا عادوا فسوف يكون وضعهم، عندئذ، شأن أي مصري آخر.. بمعنى ألا يكونوا فوقه، كمواطن غير إخواني، ولا فوق البلد، كما كان الحال بكل أسف طوال العام الذي كانوا فيه في الحكم.
والراجح أن المشير لم يصل إلى رأيه المعلن هذا إلا بعد أن صار على يقين من أنه حتى لو فكر في نوع من المصالحة، مع السلميين منهم وحدهم فإنه سيجد نفسه في مواجهة رأي عام رافض لعودة كهذه، في أغلبه. ولذلك فهو لا يملك أن يعيدهم، ولا يملك أن يصالحهم، لأن قراراً كهذا لم يعد في يده وحده، بعد ما رآه المصريون منهم على مدى ما يقرب من العام، أي منذ أن قامت عليهم ثورة 30 يونيو إلى الآن!
هو من ناحيته قد حسم أمره بالنسبة لهم، وليس من المحتمل أن يكون قراره الذي أعلنه موضع جدل أو مراجعة، ولذلك فالحل، إذا كان يعنيهم أي حل، إنما يظل في يدهم هم، لا في يد المشير، بعد أن يفوز، ولا في يد غيره.
الحل أن يدركوا بوضوح أن أي عودة لا بد أن تتم بشروط المجتمع نفسه وفي عمومه، باعتباره مجتمعاً طبيعياً متديناً بطبعه، وليس في حاجة إلى جماعة تعطيه دروساً زائفة في أمور دينه، ولا إلى جماعة تتعالى عليه!