لم يكن هناك ما هو أسوأ من التمدد الحوثى العسكرى فى اليمن، إلا التمدد الإيرانى السياسى فى المنطقة كلها، وقد كان الحوثيون المدعومون إيرانياً، كلما كسبوا أرضاً جديدة فى مكانهم رفعت طهران من سقف طموحها فى أرض العرب!
مثلاً.. خرج علينا قبل أيام، على يونسى، مستشار الرئيس الإيرانى، فقال إن بلاده قد صارت إمبراطورية، وإن عاصمة هذه الإمبراطورية هى بغداد!
وعلى طريقة أى سياسى يشعر بأن تصريحاته أحدثت صدمة لدى الرأى العام، فإن «يونسى» حاول بعدها أن يتملص من تصريحه، وأن يقول ما معناه أنه لم يقصد هذا المعنى بالضبط، إلا أن المعنى الذى كان لابد أن يصلنا فى كل الأحوال أن ما قال به الرجل، ولو على سبيل زلة اللسان، إنما هو الشىء الكامن فى ضميره، وفى ضمير كل مسؤول إيرانى!
صحيح أن وزير الخارجية العراقى قد استغرب كلام المستشار الإيرانى، إلا أن الاستغراب وحده لم يكن يكفى فى مواجهة كلام خطير من هذا النوع!
ولم يكن «يونسى» فريداً فى كلامه، ولا فى تصريحاته، لأن على جنتى، وزير الثقافة الإيرانى، خرج بعدها بساعات ليقول ما هو أسوأ، حيث صرح بأن أمن لبنان من أمن إيران!
أما الشىء المحزن حقاً، فهو أن الرد الواجب على تصريحات «يونسى» لم نسمعه على لسان أى مسؤول سياسى عراقى، وإنما جاء على لسان مرجع شيعى كبير فى العراق، هو على السيستانى.
فالسيستانى قال إن العراق لن يقبل أبداً بتزييف تاريخه، ولا بتبديل تراثه، وإن مساعدة إيران للعراق، فى الوقت الحالى، ضد إرهاب تنظيم داعش، أو غير داعش، لا تعنى مطلقاً أن تتنازل بغداد عن هويتها، أو تفرِّط فى استقلالها!
هذا كلام كان المرء يتمنى لو صدر على لسان فؤاد معصوم، رئيس العراق، أو على لسان حيدر العبادى، رئيس الوزراء، لأنهما هما وحدهما، بحكم موقعيهما، هما المعنيَّان بالرد على كل حرف يمكن أن ينال من استقلال العراق، كبلد، غير أنهما، بكل أسف، لم ينطقا بأى كلام، وتكفل عنهما المرجع السيستانى بما يجب أن يقال حقاً!
نغمة كتلك التى جاءت على لسان المستشار الإيرانى، أو وزير الثقافة، عندما تسود، وعندما تأتى فى توقيتها، لتمثل غطاء لما كان الحوثيون يمارسونه فى بلد عربى، فلابد عندئذ ألا ينام العرب، وأن يظل ذلك يؤرقهم فى كل ساعة.
ولهذا كله، فإن عملية قطع إصبع إيران، التى تقوم بها عشر دول عربية حالياً، ضد الغباء الحوثى فى اليمن، لابد أن تكون بداية عسكرية، لها ما بعدها سياسياً، لأنه إذا كانت هذه العملية سوف تقضى على نفوذ طهران فى أرض اليمن، أو تضعه فى حدوده على الأقل، فماذا بعد ذلك عن نفوذها فى بغداد، وفى دمشق، وفى بيروت؟!
نفوذها فى هذه العواصم الثلاث يحتاج إلى عمل سياسى ممتد، وقائم على رؤية واضحة، يدرك صاحبها ماذا عليه أن يفعل، وإلى أين بالضبط عليه أن يصل!
وإذا كان لنا أن نبنى هنا، على أرضية محددة، فلتكن هذه الأرضية هى عبارات السيستانى أولاً، ثم تصريحات بشار الأسد، أمس الأول، ثانياً، عن أنه يأمل أن يرى، فى الأمد الزمنى المنظور، تقارباً مع القاهرة.
وإذا كانت الضربة الأولى قد تلقتها طهران، فى صنعاء، عسكرياً، فلتكن الثانية سياسية بامتياز، لا عسكرية، ولتكن فى دمشق التى عاشت وسوف تبقى عربية.. إن الأسد يفتح طريقاً لنا، ولا بديل عن أن نمشى فيه إلى نهايته!