سليمان جودة
أين مصر الرسمية مما يجرى فى سوريا الآن؟!.. ولماذا يبدو موقفنا خجولاً هكذا، وكأنه يخشى الإعلان عن نفسه فى قوة، ووضوح، وبأعلى صوت؟!
إن السعودية على سبيل المثال، تتخذ موقفاً شديد الوضوح مما يدور على الأرض السورية، وليست هناك مشكلة فى أن تختلف رؤيتنا هناك عن رؤية المملكة، التى من حقها بالطبع أن تتخذ ما تشاء من المواقف، ومن واجبنا أن نحترم مواقفها تماماً، ثم تكون لنا مواقفنا نحن، التى تعبر عن قناعاتنا الوطنية، وعما يخدم مصلحة الشعب السورى، كله، ويحقق أمن بلدنا القومى، بمفهومه العام والشامل، بل أمن أمة عربية بأكملها.
هناك كلام، الآن، عن طائرات سعودية وإماراتية، وصلت قاعدة «أنجيرليك» التركية، التى تبعد 150 كيلومتراً عن حدود سوريا الشمالية، وهناك كلام عن أن طائرات الدول الثلاث، مع قوات برية، سوف تتدخل للهجوم على تنظيم داعش الإرهابى.. وهنا، فإننى إذا كنت أثق فى نوايا الرياض وأبوظبى تجاه السوريين، كشعب، فإننى لا أثق، لحظة، فى نوايا هذا الأردوغان، وعندى يقين فى أنه يسعى لهدم سوريا نفسها، كدولة، فوق رؤوس أبنائها، ولا يهمه نظام بشار الأسد الحاكم فى كثير، أو قليل، فأين نحن، من هذا كله، ولماذا نبدو وكأننا نفرط فى الوطن السورى، ونتركه نهباً لمجنون من نوعية أردوغان؟!
لقد كنت فى سوريا فى أغسطس الماضى، ورأيت بعينى كيف أن السوريين، كشعب من آحاد الناس، لا كنظام حاكم، متشوقون للغاية لتواجد مصرى هناك، بكل قوة ممكنة، وكان فى أعينهم تساؤل حائر عن السبب الذى يجعل الجميع يتسابقون إلى حجز مقعد لهم على الأرض السورية الجريحة، إلا القاهرة.. ولابد أن التساؤل الحائر، لايزال قائماً، ثم لابد أن الأمر لا يحتمل انتظاراً، لأنه ليس نوعاً من الترف السياسى بأى مقياس، ولأن وجود أكثر من مدرسة، وأكثر من منشأة، هناك، تحمل اسم 6 أكتوبر، ثم وجود أكثر من شارع، وأكثر من ميدان عندنا، وعليها اسم جول جمال، ذلك البطل السورى، إنما يدل على أن ما بين البلدين ضارب فى عمق الأيام والسنين، ولا يمكن أن تكون مصر متفرجة، فى أى يوم، على أمر يخص سوريا.
إن كثيرين يفهمون انحيازنا إلى الحل السياسى على أنه انحياز إلى بشار الأسد، وحكومته فقط، وهذا خطأ فى ظنى، لابد أن نصححه كل يوم، لأننا، فيما أتصور، نحرص على سورية الأرض، والشعب، والدولة، قبل أى شىء آخر، وإذا كان وجود بشار فى الحكم أمراً سيئاً، ثم كان ما بعده أسوأ منه، فليس أمامنا إلا أن نختار السيئ، ونحن مضطرون بكل أسف.
مرة ثانية، وعاشرة: إنها سوريا.. وإننا مصر، فمتى نفهم هذا ونستوعبه جيداً، ثم نتصرف على أساسه بكل ثقة؟!.. إنها سوريا، مرة أخرى لا أخيرة، وإننا أيضاً مصر، فلا تخذلوها لأن خذلانها خذلان لأنفسنا فى الأول وفى الآخر!