سليمان جودة
فى واحد من إعلانات التسول التى ملأت الشاشة فى رمضان، تعرض الجنيه المصرى لأسوأ ما يمكن أن تتعرض له عملة وطنية فى أى بلد، على يد بعض أبنائه!
الفكرة فى الإعلان كانت عبارة عن سؤال واحد لعدد من المواطنين عما يمكن أن يفعله كل شخص منهم لو وجد جنيهاً فى جيبه؟!
سمعنا من خلال الإعلان شخصاً يستظرف وآخر يستخف دمه، وثالثاً يرد بأن الجنيه لم يعد يشترى شيئاً، ورابعاً يقول إنه سوف يضعه فى «الردة» حتى «يفقس» عدة جنيهات أخرى، ثم سمعنا رجلاً خامساً.. وسادساً.. إلى أن قال أحدهم إنه إذا ما وجد جنيهاً فى جيبه، فسوف يلقيه فى الشارع!
لاحظ أننا نتكلم عن الجنيه كاملاً، وليس عن نصف الجنيه، ولا عن ربع الجنيه، فضلاً عن أن يكون كلامنا عن العشرة قروش، أو الخمسة، أو القرش نفسه!
من ناحيتى، أحسست بإهانة بالغة، لأن إهانة الجنيه هى فى الحقيقة إهانة لكل مواطن يتعامل به، مهما كانت قيمته فى السوق، باعتباره عملة البلد المعتمدة من جانب البنك المركزى.. ولا أعرف ما إذا كان السيد هشام رامز، محافظ «المركزى» قد شاهد الإعلان، وما حقيقة الشعور الذى انتابه كمسؤول إذا كان قد شاهده؟!
إن الذين سافروا منا إلى أى بلد يتعامل بالدولار يعرفون أنك إذا ما كنت هناك واشتريت سلعة بدولارين وسبعين سنتاً - مثلاً - فإن البائع يرد إليك الثلاثين سنتاً الباقية، سنتاً سنتاً، فى الحال، ولا يلجأ أبداً إلى «الصهينة» على أمل أن تتركها له، أو يعتذر بأنه لا يملك «فكة» أو.. أو.. إلى آخر ما يتعرض له المتعاملون بالجنيه، فى كل ساعة، فيبتلع كل واحد منهم إهانته ويمضى لحال سبيله!
وما هو معروف لنا جميعاً أن الدولة لم تقرر بعد، إلغاء ربع الجنيه الورقى، وكذلك نصف الجنيه الورقى أيضاً، ومع ذلك فالناس فيما بينهم ألغوا التعامل بهما فيما يبدو، لأن محال البقالة والسوبر ماركت وسيارات الميكروباص ترفض التعامل بأى منهما، وتسخر من أى مواطن لايزال يحتفظ بربع الجنيه الورق، أو نصف الجنيه الورق، وكانت النتيجة أنى رأيت بعينى رجلاً يمزق عملات ورقية من هذا النوع، وينثر أشلاءها فى عرض الشارع، لأنه كلما أبرزها فى مكان عام ضحك منه الآخرون واعتبروه من أهل الكهف!
إننى لا أعرف إلى من بالضبط يجب أن يلجأ المشاهدون الذين وقعوا فريسة للإعلان إياه أو لغيره من الإعلانات التى استباحت البيوت والمشاهدين، طوال شهر الصيام، وراحت تردد على أسماعهم ما لا يليق فى حق العملة الوطنية وغير العملة الوطنية!
ولكن ما أعرفه أن البنك المركزى هو الجهة الأعلى التى نراهن عليها ونلجأ لها، إذا ما تعلق الأمر بكرامة هذه العملة، ابتداءً من القرش صاغ نفسه، وانتهاءً بالمائتى جنيه، ولابد، والحال كذلك، ألا يقل احترام ورقة المائتين عن احترام القرش ذاته فى أى سوق مهما كانت القوة الشرائية لأيهما.. فهذه عملة، وهذه عملة، ولا يجوز مطلقاً أن يتسرب الإحساس إلى وجدان أى مصرى بأن العملة التى فى يده بلا وزن، سواء كانت قرشاً أو ورقة من فئة المائتين!
احترام الجنيه بكل مفرداته هو احترام للمواطن، بل هو احترام للبلد كله، فأعيدوه، ولا تسمحوا أبداً بإهانته على الملأ هكذا!