قرأت أن ابنة محمد العريان قد همست فى أذنه بأنه قد تخلف عن حضور 22 مناسبة مهمة فى حياتها، وأنها متألمة لذلك غاية الألم!
والعريان، كما يعرف أغلبنا، صاحب اسم كبير فى عالم الاقتصاد عموماً، وهو يعيش فى الولايات المتحدة الأمريكية، ويزورنا من وقت إلى آخر، وكان اسمه مطروحاً ذات يوم رئيساً للحكومة.
وعندما أصدر الرئيس السيسى قراراً بتشكيل مجلس استشارى له، من كبار علماء مصر، فى أكثر من مجال، فإن العريان كان الوحيد بينهم فى مجال الاقتصاد، من بين 15 آخرين ضمهم المجلس فى عضويته فى مجالات مختلفة.
السؤال هو: ماذا فعل الرجل عندما تلقى هذه الملاحظات من ابنته؟!
لقد استقال من منصبه كرئيس تنفيذى لشركة «بيمكو» التى تدير استثمارات قيمتها 2 تريليون دولار فى حقل صناديق السندات حول العالم، وحين استقال فإنه قال العبارة التالية: «إذا كان لى أن أكون مستثمراً جيداً، فلابد قبل ذلك، أن أكون أباً جيداً»!
ولا تملك أنت إلا أن تشد على يد الرجل على خطوته هذه، وعلى أنه قد اختار أن يقتطع من وقت عمله، ويخصص وقتاً لابنته، بعد أن لفتت هى نظره إلى أنه لا يعطيها الوقت الكافى.. لا تملك - والحال هكذا - إلا أن ترفعه فى نظرك، درجات ودرجات، وأن تضيف إلى تقديره عندك تقديراً إضافياً، بل مضاعفاً!
غير أنى، فى اللحظة التى طالعت فيها هذا الخبر عنه، لم أملك إلا أن أتساءل، وأظنك سوف تتساءل معى، عن مساحة الوقت التى يخصصها فى حياته لبلده، ولوطنه، ولأرضه، من مكانه هناك فى واشنطن، فى مقابل المساحة التى قرر أن يخصصها لابنته؟!
أقول هذا لاعتبارين مهمين، أولهما طبيعة الأرض التى يقيم عليها العريان، وثانياً التأثير الكبير المتوقع لكل دقيقة يمكن أن يجعلها هو من أجل بلده فى الولايات المتحدة.
وإذا كان هو قد قبل أن يكون عضواً فى مجلس استشارى الرئيس، وأن يكون الوحيد بين مستشاريه فيما يخص الاقتصاد، فإن هذا معناه أنه مقتنع بمسيرة مصر، على مدى الفترة الممتدة من 30 يونيو 2013، إلى اليوم، أو بمعنى أدق، إلى الساعة التى ارتضى فيها أن يكون واحداً من مستشارى الرئيس.
وبما أنه مقتنع فلابد أن يكون لهذا الاقتناع من جانبه أثر على الأرض، وأن نرى له ترجمة حية أمامنا، وأن نقرأ، من وقت إلى آخر، كلمة قوية هنا، وأخرى هناك، دفاعاً عن الحقيقة القائمة فى بلدنا، لا دفاعاً عن غيرها.. نريد دفاعاً موضوعياً عن اختيارات هذا الشعب وليس عن شىء سواها.
ولا نريد أن نقرأ له فى صحافتنا، فما أكثر ما نقرأ فيها! ولا نريد أن نشاهده على فضائياتنا، فما أكثر ما نشاهده عليها! وإنما نريده لساناً لنا هناك، فى الولايات المتحدة خصوصاً، وفى أوروبا على وجه العموم.
ولست أتحدث هنا عن مقتضيات استشاريته للرئيس، فهذه مسألة سوف تكون بينهما بطبيعتها، ولكنى أتكلم عن صوت لنا فى خارج الحدود، يكون مسموعاً، ومؤثراً، وكاشفاً لأباطيل كثيرة يجرى ترويجها حولنا، ولا أظن أن أحداً يمكن أن يمارس هذا الدور أفضل من العريان، فى اتجاه معين، كما لا أظن أن الرجل بمصريته الخالصة يمكن أن يبخل بوقت يخصصه لوطنه فى كل محفل دولى، يوازى وقت ابنته فى بيته.
ابنتك، يا سيدى، ليست وحدها التى فى حاجة إليك، لأن وطنك فى مرحلته الراهنة على وجه الخصوص يبدو على نفس القدر من الحاجة إليك، بل أكثر من حاجة ابنتك، فلا تخذله، وادفع عنه، حيث أنت، سعار هؤلاء الذين يحاولون النيل منه فى كل صباح!