سليمان جودة
الحكم بقبول طعن «مبارك» فى قضية القصور الرئاسية سوف يعيدنا، من جديد، إلى الانشغال بالكلام عن الرئيس الأسبق، وعن أيامه، وعن رموز عصره، وسوف لا يصدق أحد - كالعادة - أن عصر الرجل قد مضى وانطوى، وأننا يجب ألا ننشغل بما كان فى عهده، إلا بما يمكن أن يضيف لنا، الآن، وغداً.. وبخلاف ذلك فإننا نضيع وقتاً كثيراً فى الكلام عن أشياء لن تعود، وكذلك نهدر وقتاً هائلاً فى الحديث عن الماضى، وفى النظر إليه، وفى التوقف عنده، فى وقت نظل فيه نحن أحوج الناس إلى كل دقيقة من هذا الوقت.
ولست أستطيع أن أخمن ما إذا كان الكلام سوف يعود مرة أخرى عن أموال مبارك والذين كانوا معه، وخصوصاً الأموال التى قيل إنها موجودة فى الخارج، وإننا لابد أن نستعيدها، ثم لم يرجع إلينا أى شىء منها!
لا أعرف ما إذا كان شىء من ذلك الكلام سوف يتم ويتجدد أم لا، ولكن ما أعرفه أننا إذا كنا نريد انشغالاً جاداً بمسألة كهذه فلنأخذ العبرة فيها من المغرب، التى استطاعت كدولة أن تعيد 3.4 مليار دولار من أموال لها جرى تهريبها للخارج!
لقد جرى عندنا، فى وقت من الأوقات، إلهاء الناس، بل وإغراؤهم بهذا الموضوع، إلى حد العبث، وفيما بعد 25 يناير 2011 فإن مصريين عاملين قد تركوا أعمالهم، متطوعين، وجلسوا فى بيوتهم يحسبون نصيبهم من الأموال العائدة، وبعد أن ظلوا يجمعون ويطرحون تبين لهم أنهم كانوا يطاردون أوهاماً، وأن الذين قاموا على هذا الملف، من بين مسؤولينا، بامتداد ما يقرب من أربع سنوات، قد خدعونا كما لم يخدع مسؤولون شعبهم من قبل!
اسألوا المغرب، من فضلكم، عن تجربتها فى هذا الاتجاه، واستفيدوا منها، إذا كنتم راغبين حقاً فى أن تؤخذ الأمور، كل الأمور لا بعضها، بجدية، لا بتهريج، ولا بإطلاق أى كلام على الناس!
فالمغرب لم تتعرض لثورة، ولا لثورتين كما تعرضنا نحن، لأن عندهم ملكاً استطاع أن يحتوى الحكاية مبكراً، غير أن تلك قصة أخرى، ولكن ما أريد أن أقوله إنها لم تمر بثورة، ولا بثورتين، وكان عندها، رغم ذلك، أموال ذهب بها أصحابها إلى الخارج، بالمخالفة للقانون، وكانت أموالاً كثيرة، كما هو واضح من الرقم المستعاد.
فماذا فعلت؟!.. حدث أنها حددت، أولاً، حجم الأموال التى تريد أن تعيدها إلى خزانتها العامة، ثم حدث أن حددت كذلك أين تستقر هذه الأموال بالضبط، وباسم من، وحين انتهت من ذلك كله، بدقة، فإنها أطلقت عمليات من التسوية مع الذين هربوا بالأموال، وأعطتهم مهلة للتسوية، امتدت عاماً كاملاً، هو عام 2014، وعندما انتهى العام خرج وزير ماليتهم واقتصادهم، محمد بوسعيد، ليقول إن الحصيلة من تسويات ذلك العام بلغت 28 مليار درهم مغربى تقريباً، أى ما يوازى 3.4 مليار دولار، وإن الذين تخلفوا عن اللحاق بعملية التسوية، فى موعدها، سوف يجرى تطبيق القانون عليهم، ولكن المهم أن الحكومة أعادت رقماً محدداً هو كذا على وجه التحديد، وأنها فى الطريق إلى استعادة الباقى، بالطريقة ذاتها، ثم أضاف الوزير المغربى شيئاً آخر أهم، وهو أن كل ذلك قد تم فى هدوء، ودون صخب إعلامى، بما ساعد على النجاح فى النهاية!
هذه تجربة أضعها باختصار أمام الذين يعنيهم أمر أى قرش قد يكون لنا فى خارج الحدود، دون وجه حق، ثم أطلب، فى الوقت نفسه، أن نكون عمليين ونحن نتعامل مع هذه القضية، فيكفينا من العبث فى هذه المسألة تحديداً ضياع أربع سنوات كاملة فى سفر وفود، وفى عودة وفود، وفى إطلاق أرقام خيالية، وفى اللعب بعقول المواطنين، ثم إذا بالحصيلة، من هذا كله، صفر على الشمال!