سليمان جودة
أرجو من الأستاذ جورج إسحاق، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن يعلن، على الملأ، ملاحظات المجلس على قانون التظاهر، ليرى المجتمع كله، الذى هو صاحب الشأن فى الموضوع بأكمله، أن الملاحظات تستحق أن تأخذ بها الدولة، وتضعها فى عين الاعتبار، وأنها مردود عليها.
أقول هذا لسببين أساسيين، أولهما أنى حين رأيت الأستاذ جورج، فى المغرب، قبل نحو ثلاثة أسابيع، فهمت منه أن للمجلس ملاحظات محددة على القانون، غير أن الوقت ساعتها لم يسعفنى لأسمع منه الملاحظات نفسها، ملاحظة ملاحظة!
والسبب الثانى أن المستشار عدلى حسين لفت انتباهى، خلال حديث معه، إلى أن كثيرين يتكلمون عن تعديل القانون، بل ويطالبون بالتعديل فى إلحاح، دون أن يتطوع واحد منهم ليقول لنا، ولو مرة واحدة، وبوضوح، ودون لف أو دوران، ما هو بالضبط الشىء الذى لا يعجبه فى القانون، ويراه أجدى بالتعديل.
والحقيقة أن ملاحظة المستشار عدلى فى محلها تماماً، لأنه على كثرة ما قيل حول القانون لم نسمع شيئاً محدداً، له أول وله آخر، ويجب تعديله، وعندما نسمع سوف يكون لنا، وللمجتمع كله، رأى واضح، فيما إذا كانت المواد غير المُرضية، للذين لا يعجبهم القانون، تستأهل التعديل والتبديل فعلاً، أم أن المسألة كلها حق يراد به فى النهاية باطل!
وحتى لا يسىء أحد الظن بالمستشار عدلى حسين، وهو على كل حال رجل قانون يتحدث فيما يفهمه جيداً، إذا ما تعرض لمثل هذا القانون، فإن له ملاحظتين يتمنى لو أن القانون، بصورته الحالية، قد اكتمل بهما.
الملاحظة الأولى حول مادة فى القانون يرى ضرورة تعديلها، وهى المادة التى تقول إن الشرطة إذا رفضت منح أحد الترخيص المطلوب بتنظيم مظاهرة، فإن لهذا الأحد أن يلجأ إلى القاضى، ليحكم فيما بينه وبين الشرطة، هنا يتمنى المستشار حسين لو أن القانون جعل اللجوء إلى القاضى من جانب الشرطة، وليس من جانب الشخص الذى يريد تنظيم مظاهرة، وهو يراها على العكس هكذا، ليس لأنه يريد أن يحرم أحداً من حق اللجوء للقاضى، وإنما لأنه يريد أن يجعل الشرطة هى التى تحمل هذا العبء لا المواطن الراغب فى أن يتظاهر.
والثانية أنه يتمنى، أيضاً، لو أن القانون تضمن ما يُلزم الشرطة بنقل أى مصاب، قد يسقط فى أى مظاهرة سلمية، إلى أقرب مستشفى للعلاج، فالاتفاقات الدولية تُلزم البوليس فى أنحاء العالم بمثل هذا الحق بالنسبة لأى مُصاب فى أى مظاهرة سلمية.
وربما يلتفت القارئ إلى أنى قرنت، فى كل مرة، بين كلمة «مظاهرة» وكلمة «سلمية»، لأن أغلب المظاهرات التى جرى تنظيمها، بعد صدور القانون، لم تكن كذلك، ولأنها لم تكن كذلك فإن الذين مارسوا فيها عنفاً، أو حرضوا عليه، قد ذهبوا إلى الحبس مباشرة، ثم راح كثيرون، خارج الحبس، يطالبون بالإفراج عنهم، دون أن يتطوع واحد من هؤلاء الكثيرين، ولو لوجه الله، بالنظر فى قرار الإحالة الذى صدر بحق المحبوسين، ولو تطوع أحدهم لكان قد رأى أن فلاناً من المتظاهرين قد تم حبسه ليس حباً فى الحبس، وإنما لأنه خالف القانون، وارتكب جريمة يجرمها القانون ذاته، وأن علاناً قد ألقوا القبض عليه وهو يتظاهر، لأنه ليس من بين مبادئ التظاهر السلمى أن تحطم أملاكاً عامة، أو تعتدى على ضابط شرطة، أو تحمل «مولوتوف» بين طيات ثيابك.
التظاهر حق.. ولكن لم يحدث أن قال أحد فى الدنيا كلها إنه حق يُراد به باطل، من نوع الاعتداء على الأملاك العامة، أو على ضباط الشرطة، وهم يؤدون عملهم، أو ترويع الناس بالسلاح، وتحت أى لافتة؟! لافتة التظاهر السلمى!!
وحين تضع الدولة أصبعها فى عين كل من يمارس هذا كله باسم التظاهر السلمى، فليس من حق أحد - أى أحد - أن يلومها.