سليمان جودة
عندما ترسل أي دولة سفيراً لها، في دولة أخرى، فإنها لا تُصدر قراراً بتعيينه، وإنما ترشحه فقط، ليكون من حق الدولة التي سيذهب إليها السفير أن تقبله، أو أن ترفضه، وتطلب في الوقت نفسه ترشيح اسم آخر في مكانه!
وفى العادة، يتم مثل هذا الإجراء فيما بين الدول بعضها وبعض، ولا يجرى الإعلان عنه إلا نادراً، إلا إذا تسربت أخبار رفض سفير ما، إلى الإعلام، فلا يصبح أمام الدولة الرافضة إلا أن تعترف وتوضح وتشرح للرأى العام!
وقد حدث أن رفضت دول كثيرة، سفراء تم ترشيحهم للذهاب إليها، ولكن ما حدث مؤخراً من جانب البرازيل، ليس فقط أقرب الأمثلة في هذا الاتجاه، وإنما هو أقواها!
ما حدث أن إسرائيل رشحت سفيراً لها في البرازيل، التي لما راحت تفتش في سيرته، وفى مسيرة عمله، اكتشفت أن قبوله يمكن أن يؤدى إلى مشاكل لها على المستوى الجماهيرى، داخلياً، فرفضته، وطلبت اسماً آخر بدلاً منه!
السفير اسمه دانى ديان، وسبب الرفض أنه واحد من قادة الاستيطان، ومن الداعين إليه، وإلى التوسع فيه، على حساب أصحاب أرض موجودين، هم أبناء فلسطين في الضفة الغربية!
وحين ترفض دولة بحجم البرازيل سفيراً إسرائيلياً مرشحاً لديها، لأنه واحد من قادة الاستيطان في أرض فلسطين، فهى «رسالة» قوية للغاية، ضد الاستيطان أولاً، كسياسة لا تريد تل أبيب أن تتوقف عنها، ثم إنها كخطوة تمثل إحراجاً دولياً لإسرائيل، لم تكن تتوقعه، ولا كان رئيس وزرائها نتنياهو يتخيل أنه يمكن أن يجد نفسه في مواجهته علناً هكذا!.
إن رفض دانى ديان، ربما سوف يظل أكبر موقف دولى ضد الاستيطان الذي يلتهم الأرض الفلسطينية، يوماً بعد يوم، دون أن تفهم الحكومة الإسرائيلية الحالية، أن ممارسته، دون الالتفات إلى احتجاجات فلسطينية، وغير فلسطينية عليه، يومياً، لن تنفى أن الأرض في النهاية أرض لأصحابها أبناء فلسطين، دون غيرهم، وأن الاستيلاء عليها استيطاناً، لن يغير من هذه الحقيقة أي شىء!
وإذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، منعقدة هذه الأيام، انعقادها السنوى العادى، فالأمل أن يتمكن الرئيس عباس إذا كان سيحضر، ومعه الرؤساء والقادة العرب الحاضرون، من البناء على هذه الخطوة البرازيلية المهمة، وتوظيفها جيداً في محفل عالمى لا يتكرر إلا مرة في كل عام.
لا يليق بنا أن تكون البرازيل أكثر انشغالاً بقضية فلسطين منا، وإذا كانت هي قد قطعت هذه الخطوة، فليس أقل من أن نستغل انعقاد الجمعية العامة في نيويورك، فنعرف كيف نحولها كخطوة في أروقة الأمم المتحدة، من قرار مجرد رفض ترشيح سفير، إلى موقف دولى ضد سياسة الاستيطان كلها!