سليمان جودة
كل ما أرجوه من حزب «النور» أن يكون صادقاً مع نفسه، ومع الناس، عندما يخاطبهم، فلا يكذب عليهم، وألا يحاول ابتزاز الدولة تحت أى اسم.
لماذا؟!.. لأن هناك نغمة رائجة هذه الأيام، على ألسنة عدد من قادته، تقول إن الحزب كان قد شارك فى خريطة الطريق المعلنة بعد ثورة 30 يونيو مباشرة، وهو كلام صحيح كما ترى، لولا أنه لا يقال على سبيل إعادة تذكير الذين نسوا منا ما جرى وقتها، وإنما على سبيل القول عن طريق غير مباشر، بأن تلك المشاركة لم تكن لوجه الله، وإنما كانت لهدف محدد!
هذا الهدف هو أن تتغاضى الدولة، عند اللزوم، عما يمكن أن يكون على الحزب من ملاحظات جوهرية، تتصل فى مضمونها بوجوده ذاته، ومدى توافق هذا الوجود مع مادة الدستور التى تحظر قيام أى حزب على أساس دينى.
إننى لست ضد «النور»، ولا أنا معه، وإنما مع الحقيقة المجردة، التى علينا أن نسعى إليها جميعاً، وأن نلتزم بها، ولابد أن هذه الحقيقة تقول لنا، إن الحزب إذا كان قد شارك فى خريطة الطريق، بعد 30 يونيو، فهو قد شارك من أجل وطنه، ومن أجل بلده، ومن أجل أرضه، التى هى أرضنا جميعاً، وبالتالى فليس من المتصور أن يكون إخواننا فى الحزب قد شاركوا ليفوزوا فى النهاية بمكسب حزبى، أو يكونوا قد شاركوا ليستولوا على مكان تيار سياسى آخر، اختار هو بممارساته وحماقاته منذ ما بعد الثورة أن ينعزل عن المصريين، وأن يعاديهم، وأن يتخذ منهم خصوماً!
لا.. لا نتصور أن يكون هذا كله قد دار فى رأس «النور»، وقت أن كان عليه يختار بين أن ينحاز إلى جانب إرادة شعب ضد جماعة لا تعرف غير التطرف، والتشدد، والعنف، وبين أن يقف ضد هذه الإرادة.. وإذا كان قد اختار الأولى، فقد كان ذلك موقفاً وطنياً، لانزال نحسبه له، بشرط أن يكون موقفاً لوجه الوطن فعلاً، وألا يأتى الحزب بعدها ليطلب الثمن، ويظل طول الوقت يذكرنا بأنه فعل كذا، وكذا، فمن شأن سلوك كهذا، أن ينقل مشاركة الحزب فى خريطة الطريق من خانة الموقف الوطنى الذى يبقى لأصحابه، إلى خانة الابتزاز للدولة، وللحكومة، وللمجتمع.
هذه واحدة.. والثانية أننى أنصح إخواننا فى «النور» بألا يقولوا إنهم كانوا حاضرين يوم الاستفتاء على الدستور، أو يوم انتخابات الرئاسة.. أنصحهم بأن يغلقوا هذا الملف، وأن يتجنبوه، وألا يعودوا إليه، لأنهم هم أنفسهم أول من يعلمون تماماً أنهم لم يحضروا فى يوم الاستفتاء على الدستور، ولا فى يوم انتخابات الرئاسة، وأن غيابهم كان لافتاً ومثيراً لألف علامة استفهام، ولايزال!
«النور» يقول عن نفسه، إنه حزب سلفى، وهى كلمة تعنى فيما تعنى، أنهم يريدون الاقتداء بالسلف الصالح، الذى لا أظن أن أحداً منه - أى من هذا السلف - كان يقبل أن يكذب، أو يكذّب غيره أبداً!
أربأ بـ«النور» السلفى أن يتورط فى كذب، أو أن يمارس ابتزازاً مع الدولة، فقد مارس الإخوان من قبل الكذب والابتزاز، فكان مصيرهم الراهن عقاباً من الله تعالى قبل أن يكون من الناس!