سليمان جودة
لست أنت فى حاجة إلى جهد كبير، حين تطالع الصحف المصرية، لتكتشف أن عدداً لا بأس به من أصحاب الرأى فيها ينتمون هذه الأيام إلى حركة حماس، أكثر مما ينتمون إلى هذا البلد!.. ولأنهم كذلك، فإنهم لا يفرقون بين باطل كثير تقول به وتردده الحركة، منذ بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، متصورة أن أحداً يمكن أن يصدق ما تقوله، وبين حق واضح فى المسألة كلها يجب أن يقال!
أما الحق، فهو أن القاهرة لم تخلط أبداً بين حركة إخوانية متطرفة، هى حركة حماس، وبين سائر أبناء القطاع، من غير الحمساويين، والذين هم فى النهاية فلسطينيون أصلاء، تساندهم مصر، ويساندهم المصريون، إلى آخر مدى، ويتضامنون معهم لأقصى حد، بحكم التزام وطنى ثابت منا، تجاه القضية، لا يمكن أن نتحلل منه، ولا أن نغفل عنه، ولا أن ننساه تحت أى ظرف.
لا تخلط مصر أبداً، ولن تخلط، بين الحركة فى جانب، وبين جميع الفلسطينيين الذين هم أصحاب قضية عادلة فى جانب آخر، ولكن سوء حظهم جعل القضية تسقط فى أيدى أسوأ محامين من نوعية قادة حماس!
لا تخلط مصر، ولن تخلط، وإلا ما كان رئيسها قد حذر منذ لحظة العدوان الأولى، من خطورة التصعيد بين الجانبين، وما كان قد قضى أغلب وقته فى اتصالات، واستقبالات، ومباحثات، حول الموضوع، وما كان رئيس مخابراتنا قد سارع للذهاب إلى تل أبيب منذ لحظة العدوان الأولى أيضاً، للبحث عن حل يوقف العدوان بأى طريقة، وما كنا قد أرسلنا 500 طن من المواد الغذائية والدوائية إلى القطاع، فى وقت مبكر من العدوان، وما كانت شحنة أخرى قد ذهبت، أمس الأول، وما كان أمين عام الأمم المتحدة قد اجتمع مع وزيرى خارجية مصر والولايات المتحدة وأمين عام الجامعة العربية فى القاهرة، وما كان.. وما كنا.. إلى آخر ما لا ينكره إلا أعمى.
يحدث هذا كله، على الملأ، ويحدث ما هو أكثر منه، ثم ينكره المتبجحون، الذين ينتمون إلى حماس، أكثر مما ينتمون لبلدهم الذى يحملون جنسيته بكل أسف!
يحدث هذا، ويحدث ما هو أكثر منه، ثم تفاجأ بأن هؤلاء المتبجحين يتكلمون طول الوقت عن معبر رفح، وكيف أنه مغلق بيننا وبين أبناء القطاع، الذين هم جميعاً إخوة لنا، إلا أن يكونوا حمساويين!
يتكلمون، بلا خجل، عن غلق المعبر، وكأن الجرحى الذين يتلقون علاجهم فى مستشفياتنا، قد طاروا إليها من السماء.. وكأن المساعدات الإنسانية التى دخلت إلى هناك، قد عبرت من تحت الأرض، وكأن.. وكأن.. غير أن الغرض، كما تعرفون، مرض!
لم تخلط مصر، فى أى لحظة، بين حركة حماس، التى ارتكبت فى حق هذا البلد ما ارتكبت، باعتبارها فرعاً إخوانياً كان يتعاون ضدنا مع أصله فى القاهرة، وبين باقى أبناء القطاع كله، إلا أن يكونوا حمساويين.. بل إن الطريف، بل المحزن، أن الحركة نفسها فعلت العكس تماماً، ولم تفرق ابتداءً من 25 يناير 2011 إلى 30 يونيو 2013، بين الإخوان كجماعة لا عقل لها، وبين المصريين جميعاً، باعتبارهم أمة أكبر من الجماعة، ومن غير الجماعة.
اختزلت الحركة مصر فى جماعة غبية، بطبعها، فخسر الحمساويون المصريين كلهم، ولم ينفعهم الإخوان!