سليمان جودة
فى آخر يونيو من العام الماضى، كنت فى المغرب، وحين كنت عائداً إلى القاهرة، يوم 29 من ذلك الشهر، أى قبل أن يخرج المصريون على الإخوان بـ24 ساعة، سمعت فى مطار الدار البيضاء إخوة مغربيين كثيرين، يتساءلون عما سوف يحدث فى مصر فى اليوم التالى.. ولم أكن أنا أعرف، ولا أظن أن غيرى كان يعرف، ماذا بالضبط سوف يحدث، ولكن ما كنا نعرفه جميعاً، بالإحساس الفطرى المباشر، أنه لا مستقبل للإخوان فى الحكم، وأن ما مارسوه فى السلطة، بامتداد عام كامل، كان يرشحهم بامتياز للرحيل عند أقرب محطة!
بالنسبة لى، كنت فى ذلك اليوم قبل الأخير من ذلك الشهر أقرأ فى صحف المغرب ما قاله ويقوله عبد الإله بن كيران، رئيس حزب «العدالة والتنمية» المغربى الحاكم، ورئيس الحكومة، ثم أتطلع إلى أى صدى له عند حزب «الحرية والعدالة» الإخوانى، الذى كان يحكم فى القاهرة فى اللحظة ذاتها، فأشعر وكأن الله تعالى قد ختم على قلوب قادته، وقادة الجماعة الإخوانية معه، فى وقت واحد، فلم يلتفت أحد منهم ليقرأ ماذا يجرى حوله فى الدنيا!
كان عبدالإله بن كيران يقول إنه، كرئيس لحزب ذى مرجعية إسلامية، قد جاء إلى الحكم مع سائر زملائه فى الحزب، ليحلوا مشاكل المواطنين المغربيين، لا ليفرضوا عليهم رؤيتهم للإسلام.
وكان ابن كيران، ولا يزال، يقول هذا، ثم يفعله، ولذلك بقى فى الحكم وأنجز فيه على قدر مستطاعه، بينما كان الإخوان يقولون ويفعلون العكس، وكانوا مدفوعين إلى مصير لا يريدون أن يتفادوه، رغم التحذيرات والإنذارات التى كانت تأتيهم من كل جانب، ومن أكثر من اتجاه.
وأذكر جيداً أنى كتبت العبارة سالفة الذكر، التى قالها ابن كيران، ووجهتها من خلال هذا المكان إلى محمد مرسى شخصياً، وهو على الكرسى وقتها، لعله يتعظ، أو ينتبه لولا أنه، كما يتبين لنا الآن يوما بعد يوم، كان لعبة فى يد محمد بديع وخيرت الشاطر معا، وكان الغرور قد ركب هذين الرجلين، فلم يكن كلاهما يرى أبعد من قدميه، وإلا ما كانوا كلهم فى «الجماعة» وفى الحزب قد سقطوا هذا السقوط غير المسبوق!
وعندما عدت إلى المغرب، الأسبوع الماضى، كانت للقصة بقية، إذ تزامنت عودتى هذه المرة مع انتخابات جديدة جرت فى جماعة «التوحيد والإصلاح» المغربية، التى توصف هناك بأنها الذراع الدعوية لـ«العدالة والتنمية»، أقصد أنها كجماعة تماثل، من حيث وضعها، وضع الجماعة الإخوانية عندنا، بالنسبة لحزبها الذى كان «مرسى» رئيساً له، قبل أن يتسلل إلى قصر الرئاسة، فى غفلة من ملايين المصريين!
الانتخابات الجديدة فى «الجماعة» المغربية جاءت برئيس جديد لها، خلفا للمهندس محمد الحمداوى، الذى ظل رئيساً لها لثمانية أعوام.
وما يهمنى هنا، هو ما قاله الحمداوى فى خطبة وداع، أرادها أن تكون آخر صلة بينه وبين جماعته الإسلامية.. قال ما معناه إنه لا إنجاز فى بلده، سوى بأن تتحلى كل الأطراف بالإحساس بالمسؤولية عن الحكم فى البلد، وأن هذه المسؤولية لها شروط ومواصفات، وأن أول شرط هو أن تعلو مصلحة الوطن فوق أى مصلحة ذاتية، أو فئوية.. هكذا قال الرجل الذى جلس ثمانى سنوات على رأس «جماعة» المغرب، ثم انصرف.. ولابد لك أن تقارن بين كلامه، وكلام ساقط وردىء سمعناه من بديع، الذى كان على رأس «جماعة» القاهرة قبل ثورة 30 يونيو.
لهذا تحديدا، أقصد مضمون ما قاله الحمداوى، استمروا، هم، فى الحكم فى الرباط.. ثم لهذا تحديداً أيضاً، كان على إخوان بديع أن يرحلوا!