سليمان جودة
فى عام 2011 كانت حكاية الربيع العربى فى بدايتها، ولم تكن أبعاد كثيرة فيها قد تكشفت بعد، كما هو الأمر الآن، وكانت تبدو وقتها وكأنها تسونامى عنيف يريد أن يغمر عالمنا العربى وأن يدمره، وكنت منذ فترة قد كتبت عما صار معروفاً بيننا بالربيع العربى، وقلت ما معناه إن هذا الذى نشهده فى كل ركن من بلادنا، إذا كان ربيعاً، فما هو بالضبط شكل الخريف؟!
وإذا كنت أتمنى شيئاً على الذين يتناولون ما حدث حولنا، منذ بدء ذلك العام، إلى اليوم، على أنه ربيع فهذا الشىء هو أن ينتبهوا إلى أن التسمية، حتى إن صحت، فإنها ليست لنا، وإنما جاءتنا من الغرب، ثم تبناها بعضنا دون وعى ودون مراجعة لما قد نردده دون أن نعى أبعاده أو مضمونه أو حتى معناه!... وقد قيل إن الكاتب الأمريكى المعروف توماس فريدمان، هو صاحب مسمى «الربيع العربى»... ولو تأكد لنا أنه صاحبه حقاً فعلينا أن نأخذه بحذر منذ اليوم على الأقل لأن «فريدمان» ليس مبرّأ فى أغلب الأحوال من الهوى ولا من الغرض، وعنده ارتباطات بالإدارات الأمريكية المتعاقبة عموماً، والإدارة الحالية خصوصاً، وكلها ارتباطات تثير الريبة، وتدعونا إلى الاحتياط فيما نأخذ عنه.
وليس أدل على ذلك إلا أن أوباما عندما أراد أن يبعث إلينا، وإلى غيرنا رسائل محددة، مؤخراً حول ما يدور فى العالم، بشكل عام، وعندنا فى منطقتنا بشكل خاص، فإنه اختار «فريدمان» دون غيره من الصحفيين الأمريكان، وأجرى معه حواراً نشرته «نيويورك تايمز»، وانطوى على أكثر من رسالة كانت كلها تؤكد ما قاله «تشرشل» ذات يوم عن أن الإدارات الأمريكية الحاكمة، إدارة وراء إدارة، لا تصل إلى الطريق الصواب إلا بعد أن تجرب كل الطرق الخطأ!
أعود إلى «الربيع العربى» وأضعه بين أقواس، لينتبه كل واحد منا، بكل ما عنده من قدرة على الانتباه، إذا ما تعرض لهذا الموضوع، أو وجده معروضاً أمامه، أو عليه فى أى لحظة.
وقتها وفى بدايات ذلك المسمى بالربيع العربى، وتحديداً فى 20 فبراير 2011 قامت حركة شبابية صاخبة فى المغرب، تدعو إلى أن يكون فى الرباط شىء يماثل أو يشبه ما حدث قبلها فى تونس العاصمة، يوم 14 يناير عندما هرب زين العابدين بن على إلى الخارج، أو فى القاهرة يوم 11 فبراير عندما تخلى حسنى مبارك عن الحكم.
وبسرعة أدرك الملك محمد السادس أن عليه أن يستوعب هذا الموضوع، وأن يجعله فى يده، وليس فى يد أى طرف آخر، وأن يقوم بإصلاحات يريدها أبناء بلده، وألا يتأخر أو يتباطأ فى ذلك، وهذا هو الأهم!
ولم يكذب الملك خبراً، فأصدر أمراً بتشكيل لجنة تضع دستوراً جديداً، ووضعته هى بالفعل، وكان ملخص ما قامت به أنها أخذت من صلاحياته كملك للبلاد، ووضعت فى يد رئيس الحكومة مرة وفى يد رئيس البرلمان مرات.
وهدأت الأحوال بالفعل، ونجح محمد السادس فى احتواء عاصفة كانت تتشكل فى الأفق.. وفى وصف ما جرى لم يكن هناك أجمل من المانشيت الذى صدرت به «أخبار اليوم» المغربية فى اليوم التالى من احتواء العاصفة.
كان المانشيت الذى لا أزال أحسد عليه توفيق بوعشرين، رئيس التحرير، يقول: «الملك يسقط النظام!» ولابد أنه فارق كبير للغاية بين إسقاط نظام حكم فى البلد، أى بلد، وبين إسقاط الدولة وهو ما لايزال يراهن عليه بعض الحمقى عندنا هنا، غير أنهم لن ينالوا غرضهم أبداً.
أسقط ملك المغرب النظام القديم بدستوره الجديد، وبالإصلاحات التى وضعها فيه، فقطع الطريق كلياً على كل دعاة الفوضى الذين كانوا يختبئون وراء الشباب، كما يختبئ أمثالهم بيننا وراء رايات تحمل شعارات الإصلاح!