سليمان جودة
أريد أن أتوجه بهذه السطور إلى المهندس إبراهيم محلب شخصياً، وأريد أن أصارحه بأنى أتلقى رسائل كثيرة فى كل صباح، من مصريين بسطاء، لا جاه لهم ولا سلطان، لكنهم مصريون.. وفقط!
هؤلاء جميعاً لا يكادون يصدقون، وأنا معهم، أن يعطى المهندس محلب وعداً، ثم يتحلل منه فى اليوم التالى.. لا نصدق يا معالى رئيس الوزراء.. لا نصدق، لأن الوعد الذى أعنيه كنت أنا قد حصلت عليه منك مباشرة، خلال اتصال تليفونى، ودون وسيط من أى نوع!
كنت أنت يا معالى رئيس الوزراء، ولعلك لاتزال تذكر، قد قلت لى، ذات صباح، إنك قررت - نعم، قررت بصيغة الماضى هكذا - أن تكون أرض مطار إمبابة كلها، لا بعضها أبداً، حديقة عامة يتنفس فيها الناس المخنوقون فى العاصمة هواءً يغسل صدورهم من تلوث سنين، وتجد فيها بعض مدارس أحياء الزمالك، والمهندسين، والدقى، ووسط البلد أماكن بديلة، وهى لن تكون أماكن بديلة وفقط، لكنها ستكون «آدمية»، وهذا هو المهم فيها.. ستكون آدمية، بمعنى أن الطالب المحشور فى أى مدرسة من مدارس الدقى - مثلاً - سوف يجد فى أرض مطار إمبابة متسعاً لمدرسة لها فناء، وعندها ملعب، وحولها أشجار.. هل تتخيل الصورة معى يا معالى رئيس الوزراء؟!
هل تبخل بشىء من هذا على تلاميذ أنت مسؤول عنهم الآن؟!.. وهل تفضل، من جانبك، أن تقيم مولات تجارية على الأرض، ولا تمنحها كاملة هدية منك لتلاميذ هذه الأحياء التى ذكرتها حالاً، لعل واحداً منهم يخرج ذات يوم، ويقول إنه تلقى تعليمه فى مدرسة آدمية، وإن الذى أتاح له هذه الفرصة إنما هو رجل اسمه إبراهيم محلب؟!
هل يحتاج هذا الأمر البديهى، يا معالى رئيس الوزراء، إلى كل هذا الجهد والكفاح والنضال منا؟ وهل تقبل على نفسك أن يصل الأمر إلى الحد الذى يتسول معه الناس حقوقهم الطبيعية فى بلدهم، على هذا النحو؟!
أنت يا معالى رئيس الحكومة الذى وعدت، وأنت الذى قلت، وأنت الذى بادرت مشكوراً بالاتصال، وأتذكر من جانبى أنى زففت الخبر إلى الناس، فى اليوم التالى، وأتذكر كذلك أن بعضهم، حين سمع بالخبر، كان يتمنى لو يستطيع أن يصل إليك، فى أى مكان، ليضع امتنانه البالغ لك، بين يديك!
ولكن.. ما كادت أيام قلائل تمر، حتى فوجئ الجميع بخبر فى الأهرام يقول بطرح الأرض نفسها للاستثمار، لتقام عليها مولات تجارية!!
لك، عندئذ، يا معالى رئيس الوزراء أن تتصور حجم الصدمة التى أصابت الذين كانوا قد تفاءلوا بك، وبوعدك، وبقرارك!
بعضهم حاول أن يمنّى نفسه، وأن يقول، بينه وبين نفسه، إن الخبر الذى نشرته الأهرام ربما يكون خبراً قديماً كتبه المحرر قبل أن تعطينا أنت الوعد.. ولكن.. ها هى الأيام تمر، وها هى التصريحات من أكثر من مسؤول تشير إلى أن ما قاله الخبر صحيح، وأننا، كدولة، نفضل المول التجارى على المدرسة، ونفضل الزحام على الهدوء بالنسبة للناس، ونفضل الموت اختناقاً فى شوارع القاهرة والجيزة على أن يكون لأبنائهما متنفس يشعرون فيه بأنهم آدميون!
معالى رئيس الحكومة.. الذين يكلموننى فى الموضوع، من بسطاء الناس، فقدوا الأمل تماماً.. ولكن، من ناحيتى، لايزال عندى فيك أمل.. وأرجوك ألا تقتل فى الناس الأمل! معالى رئيس الوزراء.. المتحمسون للمشروع غاضبون جداً، ليس منك شخصياً، وإنما لأنك سمحت لمسؤول من مرؤوسيك بأن يدس لك مخططاً قديماً لأرض المطار، وهو مخطط يدمر الفكرة من أساسها!