سليمان جودة
ربما يكون الدكتور أيمن فريد أبوحديد، وزير الزراعة السابق، هو الوزير الوحيد، الذى ذكرت الصحف سبب خروجه من الوزارة!
الصحف ذكرت عدة أسباب لخروج الرجل، ولكنى توقفت بشكل خاص عند السبب الذى يقول إنه خرج لأنه كان قد صرح، منذ أسابيع، بأنه لا إسقاط لديون الفلاحين المستحقة لبنك التنمية والائتمان الزراعى!
ورغم أن الوزير السابق قد عاد، فى اليوم التالى مباشرة، لينفى كلامه، أو يقول ما معناه إنه لم يكن يقصده، فإن ذلك فيما يبدو، لم يشفع له، ففقد منصبه!
وكنت يومها قد كتبت فى هذا المكان، أؤيده فى تصريحه، وأدعوه إلى أن يتمسك به، وألا يتراجع عنه، لا لشىء إلا لأن ما قال به هو الصحيح ذاته، وما عداه إنما هو خداع للنفس من جانب الحكومة، كما أنه، أى التراجع عن التصريح، يظل نفاقاً للفلاح لن يصلح أحواله، وستكون عواقبه على البنك، فى الوقت ذاته، سيئة للغاية!
إننى أفهم أن يساعد البنك الفلاحين بكل طاقته، وأفهم أن نعاقب المسؤولين عنه لو تقاعسوا عن مد يد المساعدة لأى فلاح، فى حدود الدور الذى نشأ من أجله البنك، ولكن ما لا أفهمه، أن تكون للبنك ديون مستحقة على الفلاح، وأن يكون الحل هو إسقاطها لا تحصيلها.. إذ النتيجة الطبيعية لذلك أن يتمادى الفلاح فى الحصول على قروض من البنك، وأن يتكاسل عن سدادها، مادامت الحكومة فى النهاية تسقطها، وأن يؤدى ذلك كله إلى إغلاق البنك العريق!
إننى أبصم بالعشرة على كل وسيلة يساعد بها البنك فلاحينا، إلا أن يكون إسقاط الديون من بين هذه الوسائل، لأن الفلاح الذى يحصل على قرض ثم يتوقف عن سداده، إنما هو رجل أخطأ، وعليه بالتالى أن يتحمل عواقب هذا الخطأ.
وليس معنى هذا بالطبع أن نطارد المدينين منهم، وأن نلاحقهم، وأن نحبسهم.. لا.. إننى لا أقول بهذا أبداً، ولا يقول به غيرى، ولا يصح، ولكن ما يصح هو أن نساعد الفلاح المدين، على أن يسدد ديونه، وهناك ألف وسيلة لذلك، وقد أشار الدكتور أبوحديد إلى بعضها، حين عاد فى اليوم التالى للتصريح ليعتذر عنه، ويقول ما معناه إنه لم يكن يقصد!
منها.. مثلاً.. تقسيط الديون نفسها، ومنها الإعفاء من الفوائد، مع الإبقاء على الأصل.. ومنها.. ومنها.. وعندئذ، سوف نكون كحكومة قد تعاملنا مع البنك باعتباره مؤسسة بنكية تعمل وفق قواعد وأصول وأعراف نشأ على أساسها، لا باعتباره مؤسسة خيرية!
أعرف أن الفلاح فى حاجة لمساعدات كثيرة وكبيرة من الحكومة، وأدعوها إلى ذلك بكل قوة، وأؤيدها فى كل ما يمكن أن تساعده به، إلا أن تقرر إسقاط ديون بنك الائتمان، لأن هذا معناه، ألا يكون للبنك ذاته، خلال سنوات من الآن، أى وجود، وأن يفلس ويتوقف تماماً عن العمل!
قالها أبوحديد على طريقة جحا قديماً، فلم يقولوا له كما قالوا لجحا: «اخرج من البلد».. ولكن قالوا: «اخرج من الوزارة».. وقد خرج!
"المصري اليوم"