سليمان جودة
مما كتبته فى هذا المكان، أمس الأول، عن العاصمة الإدارية الجديدة، يتبين لى وأنا أتلقى التعليقات الكثيرة حوله، أن الموضوع يشكل هاجساً شديداً وضاغطاً لدى كثيرين، وأن هؤلاء الكثيرين لايزال عندهم أمل فى أن يتأنى الرئيس فى البدء فى تنفيذ الفكرة، وأن يستمع لوجهات النظر المختلفة حولها، خصوصاً إذا كانت وجهات نظر ممن يريدون له النجاح حقاً، لأن نجاحه فى النهاية هو نجاح لبلد بكامله!
من ناحيتى، أختار تعليقين أنشرهما، وعندى رجاء أن يصلا إلى الرئيس، ليس لأنه الرئيس، ولا عن رغبة فى إقحامه فى كل مشكلة، كما جرت العادة، وإنما لأن الفكرة التى نتكلم عنها تظل فكرته، كما يظل هو أكثرنا حماساً لها، وأكاد أقول اندفاعاً فى تجسيدها على الأرض دون مسوغ معقول.
الأستاذ أحمد أبوشادى- مثلاً- يلفت نظر الرئيس إلى أن دراسة متمهلة للفكرة قد تكشف له فى غاية المطاف عن أننا يمكن أن نحقق الهدف من ورائها، دون تنفيذها أصلاً.. كيف؟!.. هو يقول إن الهدف إذا كان يتمثل أساساً فى السعى إلى تخفيف الضغط على العاصمة، وإنقاذها من الزحام، ومن التلوث، فإن العديد من المدن التى نشأت خلال سنوات مضت حول القاهرة يمكن أن تستقبل، غداً، الكثير من الوزارات والمصالح الحكومية فيها.. كيف؟!
يجيب الأستاذ أبوشادى فيقول: لماذا لا نجرب، على سبيل المثال، أن يبقى فى القاهرة القصر الرئاسى، والوزارات السيادية، والسفارات وفقط، ثم ينتقل ما هو عدا ذلك إلى مدن 6 أكتوبر، والشيخ زايد، والعبور، والشروق، وبدر.. وهكذا.. وهكذا؟
هل إذا تم توزيع جميع الوزارات والمصالح الحكومية، فيما عدا المشار إليها، على هذه المدن على مراحل، ووفق جدول زمنى يجرى إعلانه مسبقاً.. هل نكون بعدها فى حاجة إلى عاصمة إدارية جديدة؟!.. وإذا كانت فكرة كهذه سوف تحقق الهدف تماماً من وراء تلك العاصمة الجديدة، فلماذا لا نذهب إليها من أقصر طريق؟!.. ولماذا نصمم على أن ننفق فلوسنا على تنفيذ هذه العاصمة الإدارية الجديدة، إذا كانت لها بدائل ممكنة هكذا، بل بدائل عملية جداً.. لماذا بالله عليكم؟!.. ثم لماذا نحاول تصوير الإنفاق عليها على أنه إنفاق قطاع خاص كله، وأن الدولة لن تتحمل فيه شيئاً، وكأن هذا وحده مبرر مقنع للاندفاع نحوها؟!.. وهل ننسى أن العبرة فى أى استثمارات، بما فيها الاستثمارات فى العاصمة الجديدة، إنما هى التوجه بها نحو الطريق الصحيح، والأخذ فيها جميعاً بـ(فقه الأولويات) سواء كانت خاصة أو عامة؟!.. إن القول بأن الدولة لن تتحمل شيئاً من أموالها فى الإنفاق على تنفيذ الفكرة ليس مبرراً كافياً أبداً لأن نمضى إليها مندفعين هكذا، دون سبب مفهوم، ودون رغبة فى الاستماع، بل الإنصات لوجهات نظر جادة ومفيدة حول المشروع!
وأما الأستاذ محمد نصير فإن أشد ما يزعجه أن الرئيس لا يريد الالتفات إلى الآراء المخالفة لرأيه، ليس فقط الصادرة من معارضيه، وإنما من مؤيديه أنفسهم!
وتلك لمحة مهمة للغاية، لا نعرف كيف يمكن أن نصل بها إلى رأس الدولة، وأن نلفت انتباهه إلى أن غالبية الذين يملكون ملاحظات جادة حول الفكرة إنما هم من بين مؤيديه، بل محبيه، ومن بين الذين يساندونه، ويدعمونه، ويرغبون فى إنجاحه بأى طريقة، ومع ذلك فإنه يتعامل معهم، أو بمعنى أدق مع ما يطرحونه، كأنه صادر عن أعداء أو خصوم!
سيادة الرئيس.. هناك انطباع عام، أو شبه عام، هذه الأيام، بأنك لا تستمع لغير رأيك، وهو انطباع لابد أن تبدده عملياً، ولن تجد ما هو أفضل من فكرة العاصمة الجديدة لتبديد مثل هذا الانطباع عنك، إذ ليس من مصلحتك، ولا مصلحتنا بالتالى، أن يدوم.