سليمان جودة
عاد المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، واللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، من رحلة الحج، صباح أول أيام العيد، الذى وافق السبت.. واليوم هو الأربعاء، ومع ذلك، فالجدل العقيم لا يتوقف عما إذا كان حج الرجلين صحيحاً أم لا؟!.. وعما إذا كانت عودتهما المبكرة تؤثر على صحة حجمها، أم لا تؤثر؟!
ورغم أن رئيس الوزراء قد حسم هذه المسألة، منذ لحظتها الأولى، إلا أن هذا الجدل الغبى لا يريد أن يتوقف، ولا يريد أصحابه أن يشغلوا أنفسهم بشىء يكون مفيداً لهم وللبلد.. لا يريدون!
حسمها الرجل تماماً عندما قال العبارة التالية: «ماحدش يدّخل بينى وبين ربنا».. وهى عبارة، كما ترى، صحيحة تماماً، وتقول باختصار إن الله تعالى وحده هو الذى سوف يرى، ما إذا كان حج الرجلين صحيحاً، فيقبله، أو يجده غير ذلك فيرفضه، ولا شأن لأى منا بالموضوع من بعيد ولا من قريب!
الحج فى النهاية نوع من العبادة، ومن شأن العبادة أن تكون بين العابد وبين المعبود، فهى علاقة ثنائية بطبيعتها وفقط، وليست ثلاثية، ولا رباعية، ولا خماسة، ولا.. ولا.. فضلاً عن أنها ليست جماعية على النحو الذى جرى، بحيث راح يفتى فى القضية كل من يعرف، ومن لا يعرف!
فى مجتمعات الغرب المتطورة لا تجد أحداً منشغلاً أبداً بما إذا كان جاره، أو قريبه، أو صديقه قد صلى، أو صام، أو تصدق، أو فعل أياً من أفعال الخير.. لا تجد.. لأنهم أولاً منشغلون بما يجب أن ينشغلوا به فى عمومهم، ولأنهم ثانياً مؤمنون إيماناً صادقاً، وليس زائفاً، بأن العلاقة بين السماء وخالق الكون، وبين أى إنسان، إنما هى علاقة خاصة للغاية، وليس من حق أى طرف ثالث أن يتدخل فيها، ولذلك فالحياة هناك حياة، والدين دين، ولا خلط بينهما على هذه الصورة المريضة التى ننام ونصحو عليها!
حسمها المهندس محلب، كما يجب أن يحسمها كل واحد فينا، ومع ذلك فالمتطفلون، والفارغون، والذين لا يجدون عملاً، لا يريدون أن يتوقفوا عن هذا العبث، ولا يريدون أن يفهموا أن الله هو وحده الذى سوف يقبل، وهو وحده الذى سوف يرفض، وأن الحكاية ليست فى حاجة إلى رأى من أى طرف ثالث، ولا إلى فتوى من أى جهة، حتى ولو كانت هذه الجهة هى دار الإفتاء نفسها.
وقد كنت أتصور أن يكون هذا هو موقفها، وأن يصدر عنها بيان مقتضب عند أول هذه الزوبعة الفارغة، ليقول للجميع ما معناه إنه لا أحد من حقه أن يفتى فى هذا الأمر، ولا أن يبدى رأياً، وأنها هى نفسها كدار إفتاء لا تتدخل، وتقول للكل بوضوح إن الخالق وحده هو الذى يقبل عملاً، أى عمل، أو يرده على صاحبه، وإن على الذين شغلوا أنفسهم بالحكاية أن ينصرفوا إلى شىء آخر يكون الكلام فيه مجدياً.
وإذا كان لى أن أعاتب الرجلين على شىء، فهو أنهما قد أعلنا عن وجودهما بين الحجاج فى الإعلام، فما هكذا يكون الحج الصادق، وما هكذا يكون الحج الذى يبغى صاحبه وجه الله، ولا يبغى غيره، ثم إنه ما أكثر المسؤولين الذين حجوا من قبل، ولم نعرف بحجهم إلا بعد أن عادوا ربما بسنين!