سليمان جودة
نبهنى صديق عزيز إلى أنى حين كتبت فى هذا المكان، أمس الأول، أطالب بأن ينشأ متحف لثورتى 25 يناير و30 يونيو، على أرض الحزب الوطنى على الكورنيش، كنت أناقض نفسى، لأنى فى وقت سابق طالبت بأن تعود أرض الحزب إلى المتحف المصرى، ليطل على النيل، كما كان فى أيام مضت!
وفى رسالة من الأستاذ سعيد الألفى، قال إنه يؤيد تماماً مطلبى بإنشاء متحف للثورتين، ولكنه يرى أن مكانه ليس على أرض الحزب الوطنى، لأن هذه الأرض، ذات الموقع الفريد، تصلح أكثر لأن يقام عليهما فندق يعود على الدولة بعائد يليق بالموقع، ونحتاجه فى الوقت نفسه.. أما المتاحف من نوع ما أطالب به، فعندنا منها متحف ثورة 23 يوليو، ومتحف بانوراما حرب أكتوبر 1973، وهما متحفان يتوافد عليهم الزوار بكثافة عالية، ولابد أننا فى حاجة لمتحف يقول لأجيال المستقبل ماذا جرى بالضبط فى 25 يناير، وفى 30 يونيو، غير أن مكانه فى تقدير الأستاذ الألفى يمكن أن يكون فى ميدان التحرير ذاته، أو حتى فى مكان مجمع التحرير القائم هناك.
وللصديق العزيز، وللأستاذ الألفى، أقول إنى لم أناقض نفسى، أولاً، وإنى ثانياً لاأزال أريد متحفاً للثورتين، يستطيع من خلاله كل مصرى، فى المستقبل، وبعد أن تنحسر هذه الموجة من الإرهاب، أن يرى أن بلاده واجهت ظروفاً صعبة للغاية فى وقت من الأوقات، وأنها لم تشأ أن تفوت هذه الفرصة، فسجلت ما جرى فى متحف، يظل ذاكرة حية تسترجع ما كان ذات يوم، وتضعه أمام الجميع، فى كل لحظة من لحظات الأيام المقبلة.
إننى كنت قد نشرت رسالة هنا للدكتور عبدالغنى الإمام، الأستاذ فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، يقول فيها إنه يعز عليه جداً أن يكون فى جنوب أفريقيا متحف كبير يوثق للفترات العصيبة التى مرت بها، خلال سنوات التفرقة العنصرية فى حياتها، ثم لا يكون عندنا متحف مماثل، لفترات عصيبة أيضاً، مرت بنا، مع الثورتين، وربما لاتزال تمر.. إذ السؤال هو: من أين لأى مصرى، بعد ربع قرن من الآن مثلاً، أن يعرف ماذا جرى فى بلده، فى 25 يناير، وفى 30 يونيو، إذا لم يجد أمامه متحفاً يجمع تفاصيل الحدثين الكبيرين بين جدرانه، وفوق حوائطه.. من أين؟!
لقد كان الشاعر أبونواس يشارك فى تشييع جنازة ذات يوم، ثم مال على رجل كان إلى جواره وسأله: أيهما أفضل.. أن أمشى خلف الميت، أم وراءه؟!.. رد عليه الرجل فى عصبية: لا تكن فى النعش.. وامش حيث شئت!
وبالقياس أقول: أنشئوا متحفاً للثورتين: أى موقع.. فالمهم أن يقام، وليس المهم مكانه.. أما أرض الحزب، فإن عودتها إلى متحفنا المصرى، بعد أن جرى اقتطاعها منه، باسم الحزب الواحد زمان، إنما هى عودة الشىء إلى أصله، كما أنها عودة تظل فى حد ذاتها تؤرخ لألف ثورة!