سليمان جودة
بعد دقائق من وقوع تفجيرات الإرهاب فى سيناء، مساء الخميس، تلقيت رسالة على الموبايل، من الدكتور بشر الخصاونة، سفير الأردن فى القاهرة، يشد فيها على أيدى المصريين جميعاً، شعباً، وقيادة، وجيشاً، ويقول إن الإخوة فى بلده يقفون معنا فى الخندق نفسه ضد الإرهاب المجرم الذى لا يعرف ديناً ولا يرعى أخلاقاً.
وقد أحسست فى رسالة السفير، رغم سطورها القليلة، بالصدق، وهو يصف إخوته فى القاهرة بأنهم عنوان الشهامة والعروبة، وأحسست كذلك، وأنا أعود لأطالع رسالته مرة بعد مرة، بأنه يألم لنا، وهو يشاطرنا، وبأنه يشعر بأن المصاب مصابه، قبل أن يكون مصاب كل مصرى حر.
من حيث التوقيت، سوف يستوقفك أن التفجير المجرم قد وقع بعد ذكرى 25 يناير بأيام، وهى ذكرى كانت قد أعادت تذكير الجماعة الإخوانية بأن المصريين قد طووا صفحتها، وأنهم قد أزاحوها ليس فقط من الحكم، وإنما من عقولهم وقلوبهم بالسواء، وأن تلك الصفحة كانت صفحة سوداء وانتهت، ولابد أن ذلك كله قد ذهب بعقل كل إخوانى، ليس للمرة الأولى، وإنما أيضاً للمرة الثانية.
ففى الذكرى الثالثة، التى حلت العام الماضى، كان قد مضى على إزاحة الإخوان ستة أشهر، وكانت تلك هى أول ذكرى تحل بعد سقوطهم المخجل، وكانوا يراهنون، لا تعرف كيف، على أن المصريين سوف يخرجون حشوداً، فى يوم الذكرى الثالثة، متعاطفين معهم، ومطالبين بعودتهم، فإذا بالعكس تماماً يحدث!
إذا بالمصريين، فى 25 يناير 2014، يخرجون ليحتفلوا بسقوط الإخوان، وإذا بالمصريين يخرجون ليحتفوا بجيشهم، وبشرطتهم، وإذا بالتعاطف الذى راهن عليه الإخوان يتحول إلى كابوس ثقيل، وإذا بهم، كجماعة إخوانية بلا عقل، وبلا ضمير، وبلا دين، تدرك أن مشكلتها قد صارت مع المصريين أنفسهم، فى عمومهم، وليس مع الجيش، ولا مع الشرطة، ولا مع الحكومة، ولا مع السلطة بالعموم!
وحين جاءت ذكرى 25 يناير، هذا العام، فإنها جددت أحزانهم، واكتئابهم، وبعثت كابوسهم من جديد، وأحسوا، عندما مر اليوم، دون شىء كبير يذكر، باستثناء بعض الأحداث المتناثرة المؤسفة، بأنهم صاروا ماضياً لا يذكره أحد، ولا يريد أحد أن يذكر ما كان فيه من قبح، ومن عنف، ومن غباء إخوانى متوارث!
يستوقفك هذا كله، وتشعر بأن الأحزان التى ألقت بها تفجيرات سيناء فى وجدان كل مصرى، محب لبلده، ومخلص لوطنه، تظل جزءاً من ثمن تدفعه مصر منذ 30 يونيو 2013، وهى راضية.. تدفعه مصر وهى راضية لأنها تدرك تماماً أن إزاحة المشروع الإخوانى المريب لم تكن لتمر دون ثمن، وأن الذين لايزالون يتعاطفون مع المشروع الإخوانى البغيض، فى المنطقة، أو خارجها، لايزال عندهم أمل!
لايزال عندهم أمل رغم أنهم يعرفون عن يقين بينهم وبين أنفسهم، أن أملاً كهذا، هو ذاته عشم إبليس فى الجنة.