سليمان جودة
كنت أتخيل أن الجريمة التى جرى ارتكابها فى حق فندق ميريديان القاهرة قد توقفت عند حد إغلاقه تماماً، على يد المستثمر الذى اشتراه من الحكومة قبل سنوات، فإذا بالمعلومات المتاحة عن الموضوع تقول إن للجريمة بقية يجرى الإعداد لها حالياً، وإن البقية أخطر بكثير مما مضى من حلقات القصة كلها، منذ بدايتها!
وقد كنت أتوقع، حين تناولت موضوع إغلاق الفندق، فى هذا المكان، قبل أيام، أن تبادر الجهات المسؤولة فى الدولة إلى نشر صورة من عقد البيع، لنرى من خلاله ما إذا كان من حق المستثمر إغلاقه وتحويله إلى مأوى للحشرات والفئران، هكذا، أم أن العقد يلزمه بفتح الفندق أمام رواده طول الوقت؟!
كنت أتوقع هذا، ولكنه لم يحدث بكل أسف، وكأن إغلاق فندق فى هذا الموقع الفريد على نيل العاصمة، ولسنوات طويلة، لا يؤرق أحداً فى الدولة، ولا يهم أحداً من بين مسؤولينا الذين يعنيهم الأمر، أو كأن النيل عندنا بلا صاحب، وإلا فلو كان له صاحب حقاً ما كان هذا الصاحب قد سمح للمستثمر الذى اشترى الميريديان، ولا لغيره، بأن يشوه النهر الخالد هكذا، ولا بأن يدوس على شاطئه بقدميه هكذا، ولا بأن يمتهنه هكذا!
ومع ذلك، فإن للمأساة بقية لا يكاد العقل يتصورها، وهذه البقية هى أن المستثمر لم يشأ أن يتوقف عند حد إظلام الفندق كل هذه السنين، عن عمد كما هو واضح، ولم يشأ أن يتوقف عند حد الضرب ببنود عقد البيع عرض أكبر حائط فى البلد، وإنما سولت له نفسه، ما هو أسوأ بمراحل!
سولت له نفسه أن يتقدم قبل عدة أشهر من الآن بطلب إلى الحكومة يريد فيه ما لا تتخيله أنت.. ولا أنا!
ماذا يريد؟!.. يريد، من خلال طلب مكتوب تقدم به، أن يهدم ميريديان القاهرة فوق رؤوس سائحيه، وأن يقيم فى مكانه خمس عمارات سكنية!
هل وصلت الجرأة علينا إلى هذه الدرجة؟! وكيف امتلك الرجل من الجرأة ما يجعله يطلب هدم ميريديان القاهرة، بجلالة قدره، ليس من أجل إصلاحه، مثلاً، وإنما من أجل إقامة علب أسمنتية على المساحة ذاتها؟!
كيف نقبل على أنفسنا أن يحدث هذا، ثم نسكت عليه؟!.. وكيف نقبل على ضميرنا الوطنى أن يصل الأمر بالمستثمر، ليس فقط إلى حد إغلاق الفندق، كل هذه السنوات، وإنما إلى حد إزالته من الوجود، ومن أجل ماذا؟!.. من أجل الارتفاع بشقق سكنية فى مكانه!!.. وكأن منطقة جاردن سيتى ينقصها الزحام، فنضيف إليها زحاماً لخمس عمارات مرة واحدة!.. أو كأن البلد ليس فيه قانون يرغم المستثمر على أن يلتزم بالعقد الذى يلزمه باستغلال المبنى للغرض نفسه الذى كان قائماً فيه، قبل بيعه، وهو السياحة ولا شىء غير السياحة!..
أو كأن الهوان قد وصل بنا إلى حد أن يأتى رجل فيشترى فندقاً ساحراً من نوع الميريديان، ويغلقه، ثم يفكر، فى أثناء إغلاقه، فى هذه الفكرة الجهنمية التى أعلن عنها فى طلب مكتوب!
المحزن فعلاً أن الذين تلقوا الطلب منه لم يزعجهم ولا أدهشهم ما جاء فيه!.. ليس هذا فقط.. وإنما طلبوا وقتاً لدراسة الأمر، وطلبوا من الرجل تقديم الدراسات اللازمة!
إلى أى صاحب ضمير بين مسؤولينا: أوقف هذه المهزلة!.. ويا أى صاحب ضمير بين مسؤولينا: هات المستثمر ثم ضع أمامه خيارين لا ثالث لهما، إما فتح الفندق أمام رواده، وإما فسخ العقد على الفور!
يا أى صاحب ضمير بين مسؤولينا: تصرف كرجل!