سليمان جودة
آلمنى مواطن سورى، غاية الألم، حين قال لى فى بهو فندق من فنادق دمشق إن الأرز المصرى الذى يحبه لم يدخل بيته منذ عامين!
ولم يكن الأرز المصرى هو وحده الذى صار عزيزاً على مواطنين سوريين كثيرين فى بلدهم، فالليرة التى كان الدولار الواحد يساوى أقل من خمسين منها فى 2011، قد هبط سعرها، وتضاعف الهبوط ست مرات، إلى الدرجة التى أصبح معها الدولار يساوى الآن 300 ليرة!
وسوف يدهشك أن تعرف أن راتب الموظف المستقر هناك على درجة مدير، فى أى مصلحة حكومية، لا يتجاوز 70 دولاراً، أى فى حدود 600 جنيه فى الشهر!
سألت مواطناً آخر: كيف تعيشون إذا كانت هذه هى مستويات الرواتب الشهرية، وإذا كان هذا هو سعر الليرة، بعد خمس سنوات كاملة من استهداف أركان الدولة السورية، بالإرهاب المدعوم أمريكياً وتركياً بالأساس.. فكيف تعيشون؟!
قال: نعيش فى الغالب على الخبز وزيت الزيتون مخلوطاً بالبرغل أو الزعتر!
ومع ذلك فالسؤال هو: كيف استطاع المواطن السورى الذى يدعم حكومته ضد الإرهاب، بكل أصنافه، أن يصمد معها طوال سنوات خمس؟!
الحقيقة أنه استطاع أن يصمد لسببين أساسيين، أولهما أنه لا يوجد شىء يستهلكه هناك إلا وهو تقريباً ينتجه رغم ظروف حرب الإرهاب الذى يستهدف كيان الدولة السورية من كل جانب، ولا يستهدف، كما يقال لنا، نظام الحكم.. لا.. لا تصدقوا أن الهدف هناك هو نظام حكم بشار الأسد أو حكومته أو إدارته.. فالهدف هو سوريا الوطن، وسوريا الأرض، وسوريا الشعب، وكل ما يقال بخلاف ذلك خدعة كبرى، فلا تصدقوها ولو للحظة واحدة!
وقد يدهشك، مرة ثانية، أن احتياطى القمح عندهم، رغم كل ما أشرت إليه، يكفى 24 شهراً كاملة!
تنتج سوريا إذن ما تأكله، وهذا سر صمودها كوطن سنوات خمسا، وهذا هو أيضاً الدرس الباقى لنا ولغيرنا.. والدرس هو أن رغيف خبزك إذا كان فى يدك، ومن إنتاجك أنت، فما عدا ذلك يهون!
وأما سبب صمودها الثانى فهو وقوف روسيا وإيران إلى جانبها، وكما ترى فإن الدولتين ليس من بينهما دولة عربية، ولا بد أنه شىء محزن ومخجل! إن روسيا لن تقف إلى جوار دمشق بالمجان، وكذلك إيران، ولابد من ثمن، وهو ثمن كنت أتمنى صادقاً، ولا أزال أتمنى، أن يصب فى جيب عربى لا فى جيب روسى، ولا فى جيب إيرانى!
قالها وليد المعلم، وزير خارجيتهم العتيد، خلال لقاء معه فى مقر وزارته الثلاثاء قبل الماضى.. قال: سوريا فى انتظار أن تلعب مصر دوراً تستحقه ولكنها لا تلعبه.. قالها الرجل، ولا تزال ترن فى أذنى بقوة.. ولابد أن ترن بالقوة نفسها فى أذن كل مسؤول مصرى يدرك، فى مستويات الدولة العليا عندنا، عواقب ترك سوريا تواجه ما تواجهه دون أن تكون مصر فى ظهرها!