سليمان جودة
يوم الجمعة الماضى، تلقيت دعوة فريدة من نوعها، فى مدينة طرطوس السورية الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، وهى فريدة من نوعها لأنها كانت لزيارة مسجد فى المدينة!
أما المدينة فهى ثالث مدينة سورية على شاطئ البحر، فيما فوق حدود لبنان الشمالية، لأن الأولى هى الإسكندون فى أقصى الشمال، وهى محتلة من الأتراك منذ زمن، ولأن الثانية هى اللاذقية، ثالثة مدن الجمهورية السورية من حيث عدد سكانها، بعد دمشق العاصمة، وبعد حلب التى تمثل العاصمة التجارية، ثم تأتى طرطوس بشهرتها البحرية المعروفة.
أما لماذا كانت الدعوة فريدة، فلأنها ليست لزيارة مسجد وفقط، فالإنسان يستطيع زيارة أى بيت من بيوت الله فى أى وقت، وإنما لأن اسم المسجد الذى جرى افتتاحه هناك، منتصف شهر شعبان الماضى، هو أول اسم من نوعه يتم إطلاقه على مسجد ليس فى سوريا وحدها، ولكن فى العالم الإسلامى كله، حسب كلام الإمام الذى يؤم المصلين فيه، والذى سمعت منه أنه أجرى بحثاً على أسماء المساجد فى عالمنا الإسلامى، فلم يجد مسجداً يحمل اسم مسجده!
الاسم هو: مسجد السيدة مريم العذراء عليها السلام.. والاسم المنقوش على الواجهة هو هكذا بالضبط، وليس مجرد «مريم» اختصاراً، وفقط، وكما فهمت، فإن مواطناً سورياً قد تبرع ببنائه ليبعث من خلاله برسالة محبة وسلام إلى 23 مليون مواطن يشكلون مجموع السكان، وليقول من خلال هذا الاسم الفريد إن الذين يريدون أن يثيروا الوقيعة والفتن بين أبناء الشعب السورى لن ينجحوا فى شىء، ولن يصل أى واحد فيهم إلى شىء فى النهاية، لأن رغبة السوريين فى العيش على أرض واحدة أقوى من كل محاولة فى هذا الاتجاه.
وهذا الكلام، ليس نظرياً، لأنى رأيت ما يؤكده بعد زيارة المسجد مرتين: مرة عندما تطلعتُ من إحدى شرفاته، فوجدت مقابر المسيحيين والمسلمين متجاورة تماماً، ولا يفصل بينها سوى ما يشبه السور القصير، حتى لا تختلط هذه بتلك، ومرة عندما شاهدت بعينى بعدها مسجداً يجاور كنيسة فى مدينة حمص، التى كانت قبل عامين مرتعاً لأهل الإرهاب!
رأيت حائط المسجد ملاصقاً لحائط الكنيسة، وإذا شئت الدقة قلت إنه حائط واحد بينهما، لا حائطان، وحين كنت داخل الكنيسة، أزورها، جاء وفد من طلاب صغار وأطفال، ينتمون إلى جمعية إسلامية، ليهنئوا الكنيسة باحتفالات كانت تنظمها!
وعندما راحت بعض الأصوات المتشددة فى طرطوس تهمس اعتراضاً على إطلاق اسم السيدة مريم عليها السلام على المسجد، فإن ما قيل لهم كان مقنعاً بما يكفى، وما قيل هو أن فى القرآن الكريم سورة كاملة باسم مريم، فهل نستكثره على مسجد.. وهل يخفى علينا معنى وجود سورة بهذا الاسم فى القرآن؟!.. إن رسالة مثل هذا المسجد أقوى من كل دعوات العنف، ومن كل صيحات الإرهاب، وأظن أن الصلاة فيه سوف يكون أجرها مضاعفاً عند الله تعالى، مرة لأن صاحبها يؤدى فريضة عليه، ومرة لأنه يجسد معنى اسم المسجد فى كل صلاة!