سليمان جودة
تلقيت رسالة من الدكتور إسماعيل سراج الدين، يقول فيها إن عنده تجربة مباشرة فى التعامل مع الإعلام فى الولايات المتحدة، تستحق أن يرويها، وقد تكررت معه التجربة مرتين، وكانت النتيجة فيهما واحدة.. وكاشفة.. ومحزنة!
فى المرة الأولى، كتب مقالاً فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، يشرح فيه بموضوعية شديدة أبعاد ما جرى فى بلدنا، وأرسل المقال إلى صحيفتى «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، فرفضت الصحيفتان نشره دون إبداء أسباب!!، وكأن بينهما اتفاقاً غير مكتوب.
وفى المرة الثانية، كتب مقالاً فى أعقاب انتخاب السيسى رئيساً، وأرسله بدوره إلى الصحيفتين نفسيهما، فتكرر الرفض من جانبهما، دون إبداء أسباب كذلك!
وكرر الرجل المحاولة، فى المرتين، لعل كلامه يرى النور فيهما، ولكن دون جدوى!
وهو يقول فى نهاية رسالته، إن لكل صحيفة فى النهاية سياسة تحريرية، تحدد ما يمكن نشره، وما لا يمكن، ويجوز أن تكون سياسة الصحيفتين الأمريكيتين ضد نشر أى شىء إيجابى عما جرى فى بلدنا فيما بعد ثورة 30 يونيو.. يجوز.. بل هذا هو الواضح!
ولكن هذا لم يجعل الدكتور سراج الدين ييأس، لأنه راح فى كل جولاته العلمية حول العالم يشرح قدر إمكانه، لكل الذين يلقاهم، حقيقة الصورة فى مصر، ولايزال يفعل.
ولابد، هنا، أن نضم تجربة الدكتور إسماعيل إلى تجربة الأستاذ محمد سلماوى، رئيس اتحاد الكتاب، الذى كانت له تجربة مماثلة، مع صحيفة «نيويورك تايمز» مرة، ومع صحيفة «تايمز» الإنجليزية، مرة أخرى، وفى الحالتين رفضت الأولى نشر مقال كانت هى التى طلبته منه، عندما وجدت أنه ضد الإخوان!!.. وفى الثانية، لم تنشر الصحيفة الإنجليزية مقالاً كتبه لها، إلا كمادة إعلامية مدفوعة الأجر، بعد أن تدخل سفيرنا فى لندن، وبعد أن تحمل رجل أعمال مصرى ثمن النشر!
هنا.. نحن أمام موقف عام، أو شبه عام، من ثلاث صحف كبرى حول العالم، وليس من صحيفة واحدة، بما يعنى أن الموقف هناك، وفى داخل الصحف الثلاث، ثم لدى إعلامهم عموماً، إنما هو موقف مقصود، وليس أمراً عابراً، أو وليد المصادفة!
الغريب أن الصحف نفسها لا تجد حياء، لا هى ولا غيرها فى أن تعطينا دروساً من آن لآخر فى حرية الإعلام، وفى حق القارئ أن يطالع وجهتى النظر فى أى موضوع!!.. لا تستحى هذه الصحيفة، ولا تلك، ولا تلك!!
وقد فكرت فى أن أقترح على الدكتور سراج الدين، أن ينشر المقالتين مترجمتين على أوسع نطاق، فى صحيفة مصرية، مرة، وفى صحيفة عربية دولية، مرة أخرى، ثم يشير فى نهاية كل واحدة منهما، أو يضع إلى جوار عنوان كل مقالة منهما، سطراً عن أن هذه المقالة قد صادفت رفضاً للنشر فى صحيفة كذا.. وصحيفة كذا.. لعل قارئهما يعرف حقيقة توجهات الصحف التى لا تمل من الكلام معنا عن الإعلام الحر، وعن الإعلام الموضوعى، وعن الإعلام الذى يقدم حق القارئ على ما سواه.. فإذا بكل ذلك، من خلال تجربتين مباشرتين أمامنا، وعند أول اختبار، مجرد «إنشا»!!
وليس فى التجربتين معاً من درس، سوى أننا مطالبون بجهد مضاعف نقدم به أنفسنا للرأى العام هناك، لعله يعرف حقيقة توجهات إعلامه، ولعله يعرف أن إعلامه يخدعه ويخفى عنه ما يجب أن ينشره، ثم لعله يعرف أن إعلامه «الحر» يتعاطف مع الإرهاب بمعنى من المعانى!