سليمان جودة
استمعت، صباح أمس الأول، إلى كلمة المهندس إبراهيم محلب، أمام منتدى الإعلام العربى فى دبى، الذى أنهى أعماله مساء أمس.
وأتصور أن دعوة محلب إلى أن يلقى كلمة أمام منتدى إعلامى، هو الأكبر من نوعه عربياً، كانت مقصودة من جانب القائمين عليه، فلم يحدث من قبل، ومنذ بدأ المنتدى قبل 13 عاماً، أن دعا شخصية بهذا الوزن، سياسياً، لتخاطب العرب من فوق منصته.
وعندما أتكلم عن الوزن هنا، فإننى أقصده على مستويين: مستوى مصر ذاتها، بكل ما يظل لاسمها من رنين فى وجدان كل عربى، ثم مستوى المهندس محلب نفسه، باعتباره مهندساً شاءت له أقداره أن يرأس حكومتنا فى هذه الظروف العصيبة.
وقد كان الرجل واعياً بأبعاد ما يجب عليه أن يقوله، عندما وقف فوق المنصة يخاطب 2000 مدعو من شتى عواصم بلاد العرب.
وقد استوقفنى فى كلمته أنه حين أراد أن يصور للحاضرين حقيقة الفارق بين الوقت الذى كان متاحاً أمام الدول، زمان، لتبنى اقتصادها، وبين ما هو متاح الآن، فإنه استخدم لغة الأرقام المجردة التى هى أصدق اللغات.
قال إن بريطانيا احتاجت فى وقت من الأوقات إلى 150 عاماً، لتضاعف حجم اقتصادها، وإن ألمانيا من بعدها احتاجت 60 عاماً، وإن الولايات المتحدة من بعد الدولتين احتاجت 30 عاماً.. أما الصين فقد ضاعفت اقتصادها فى 15 عاماً لا غير، أى فى واحد على عشرة فقط من السنوات التى استغرقها الاقتصاد الإنجليزى ليضرب أرقامه فى اثنين!
وفى اللحظة التى كان محلب يستعرض فيها هذه الأرقام فإن الكاميرات التى كانت تمسح أرجاء القاعة قد ركزت أضواءها وعدساتها على وجه الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبى، وصانع نهضتها، فبدا من ملامح الوجه أن صاحبه قد انتبه جيداً، وبكامل وعيه، إلى معنى ما قال رئيس وزراء مصر، ثم بدا أن الشيخ بن راشد قد استقبل كلام محلب، فى هذه النقطة تحديداً، على طريقته فى العمل، وفى الإدارة، منذ جاء حاكماً على رأس إمارته المدهشة.
من ناحيته، أحسست أن محمد بن راشد قد استمع لكلام رئيس وزرائنا، بينما لسان حاله يقول: وأنا أستطيع أن أضاعف حجم اقتصاد دبى فى أقل مما استغرقته الصين فى مضاعفة اقتصادها!
وإذا دل هذا على شىء فإنما يدل على أن اقتصاد الدول ينشأ، ثم يقوى، ويتضاعف، فى حالة واحدة، بل وحيدة، هى أن تكون لدى المسؤول عنه إرادة قوية، فإذا ما توفرت الإرادة هان كل شىء بعدها، وأصبح من قبيل التفاصيل التى تقع بطبيعتها على هامش «الموضوع»!
وليس أقوى مما قاله محلب، أمام المنتدى، عن اقتصاد الدول، دليلاً على أن ما هو متاح أمامنا من وقت، لبناء اقتصادنا، فضلاً عن مضاعفته، لا يعرف الترف ولا الانتظار، مادامت الدول من حولنا قد اختزلت 150 عاماً فى 15 عاماً لا تزيد!
ولا يجب أن ننسى أبداً أن المشير السيسى عندما سألوه فى حواره الأخير مع قنوات «دريم» و«الحياة» و«النهار» عما إذا كان سينفذ برنامجه الانتخابى كما وعد، وكما أعلنه، فقال دون تفكير، وبسرعة: الصحيح أن نقول إننا - معاً - سوف ننفذه، ولا يقال إنى - وحدى - سوف أنفذه!
ولابد أن الفارق بين «وحدى» وبين «معاً» هو بالضبط الفارق بين 150 عاماً، وبين 15 عاماً، فى بناء اقتصاد الدول!
"المصري اليوم"