سليمان جودة
لا أنسى مشهداً من بين مشاهد مسلسل «أستاذ ورئيس قسم»، الذى قدمه الفنان عادل إمام فى رمضان هذا العام، على قناة «إم. بى. سى».
كان عادل إمام فى المسلسل أستاذاً جامعياً، وكان اسمه الفنى هو الدكتور فوزى جمعة، وكان على صداقة مع عدد من أساتذة جامعة دمشق، وبالصدفة وجد نفسه أمام ثلاثة منهم عند مدخل فندق فى القاهرة، ولما سأل أحد أصدقائه السوريين الثلاثة عن أحواله بعد أن حدث فى سوريا ما حدث، ضمن وقائع ما عرفناه فى وقته على أنه ربيع عربى، قال الصديق السورى إنه يعمل جرسوناً فى الفندق الذى التقى الصديقان عند مدخله!
ولم يتوقف الأستاذ الجامعى السورى عند هذا الحد، وإنما أشار إلى صديقيه اللذين كانا قد سبقاه إلى داخل الفندق، فقال باكياً لصديقه فوزى جمعة إن واحداً منهما يبيع الكنافة، وإن الآخر يبيع الشاورمة!
أذكر أن عادل إمام راح يهدِّئ من خاطر الرجل، وينبهه إلى أن هذا فى العادة هو ثمن الثورة، فى أى بلد، فقام أستاذ جامعة دمشق من مكانه، وهو يقول لصديقه جمعة: سلِّم لى على الثورة!.. ثم انصرف ودموعه فى عينيه!
مشهد قريب من هذا رأيته هذا الأسبوع فى مدينة طرطوس السورية، التى تبعد عن دمشق ما يقرب من 250 كيلو، ولكنه كان مشهداً واقعياً على الأرض، ولم يكن تمثيلاً بأى حال!
كان النازحون السوريون قد وفدوا إلى المدينة، وكانت حكومتهم قد أقامت لهم مخيمات إقامة، وكانت كل أسرة تقيم فى غرفة واحدة، وكانت الأسرة، مهما بلغ عدد أفرادها، تنحشر فى الغرفة، وتستخدم حمامات مشتركة، وتعيش مع غيرها ظروفاً مأساوية، وكانت الدموع التى سالت فى عينى الأستاذ الجامعى، صديق فوزى جمعة، حاضرة فى عيون كل الذين شاهدوا معى مشهد النازحين فى طرطوس، أطفالاً، وفتيات، وسيدات، ورجالاً، وهم يتكومون بعضهم فوق بعض!
ولم تكن هذه هى المخيمات الوحيدة، فهناك غيرها الكثير، فى أكثر من مدينة لاذ بها الإخوة فى سوريا، أمام ضربات جماعات الإرهاب، التى يبدو أنها تركت العالم كله، ثم تجمعت على الأرض السورية هذه الأيام!
وفى دمشق ذاتها، لا يخلو الأمر، بين يوم وآخر، من سقوط قذيفة عشوائياً على أى تجمع سكنى، دون تفرقة بين وحدة عسكرية يجوز استهدافها فى ظروف الحرب، وبين حى سكانى لا علاقة للمدنيين فيه بالموضوع!
ومن السفير محمد ثروت سليم، القائم بأعمال سفارتنا هناك، سمعت أنه كان يوماً فى حمام سباحة قريب من السفارة، وأنه بمجرد أن غادره، سقطت قذيفة فى داخل الماء، وأن القائمين على الحمام قد أخرجوها، ثم استأنف الموجودون السباحة بشكل عادى، وكأن شيئاً لم يحدث!
أريد أن أقول من وراء هذا إن الشعب فى سوريا يبدو أنه من 2011 إلى الآن يدفع ثمن شىء ما، وأريد أن أقول إن ما سوف يفاجئك، إذا ما كنت موجوداً بين أفراد هذا الشعب الشقيق على أرضه، أنه يدفع هذا الثمن راضياً لأنه لا بديل آخر أمامه، وأنه لم يعد يزعجه كثيراً سقوط القذائف على أفراده فى الشارع، وأنه، كما قالت لى إعلامية سورية كبيرة، لم يعد يهتم بهذا كله، لأن الحياة عنده تساوت مع الموت، ولأنه شعب محب للحياة، ومتمسك بها، وحريص عليها، ومصمم على الانتصار على الإرهاب!