سليمان جودة
فى بدايات أيام الرئيس الأسبق مبارك، كانت هناك مطالبات عديدة تُلح عليه بأن يكون عنده، كحاكم للبلد، مشروع قومى كبير، يلتف الناس من حوله، وينجزه هو بامتداد سنوات وجوده فى السلطة، فيُقال من بعده، إن فلاناً قد حكم مصر فى الفترة من كذا إلى كذا، وإنه قد حقق لها ولأهلها الشىء الفلانى تحديداً!
وذات مرة، فى تلك الأيام، ذهب مبارك لافتتاح مشروع فى الوادى الجديد، وما إن افتتحه، ثم وقف يتحدث للصحفيين المرافقين، حتى قال ــ ما معناه ــ إنه على الذين يطالبون بمشروع قومى يميز عهده عن غيره من العهود، أن يأتوا إلى هنا ليروا هذا المشروع الذى جرى افتتاحه اليوم فى أقصى جنوب البلاد!
وحين قرأ كثيرون مثل هذا الكلام، على لسانه، فى صحف اليوم التالى، أدركوا أنه لابد كان فى حاجة إلى أن ينبهه أحد بهدوء وبحكمة، إلى أن هناك فارقاً بين المشروع القومى المقصود، وبين مشروعه الذى افتتحه فى الوادى الجديد، كالفارق بالضبط بين السماء والأرض!
والمؤكد أن كثيرين قد فعلوا هذا، مرة وراء مرة، على مدى الثلاثين عاماً التى حكم هو خلالها، غير أن الحصيلة التى نجدها بين أيدينا، فى هذه اللحظة من عام 2015، تنطق بأن المعنى المراد لم يصل إليه، وأنه عاش بقية أيام وسنوات الحكم يعتقد أن مشروع الوادى الجديد، مع أى مشروع آخر من نوعه، جاء من بعده، إنما هو رده العملى على الذين يطالبونه بمشروع قومى ينقل البلاد من حالة إلى حالة أخرى تماماً!
قريب من هذا ما حدث مع الرئيس السيسى خلال أسابيع مضت، خصوصاً عندما كانت الدعوات تنطلق ما بين يوم وآخر، فى اتجاه أنه من الضرورى أن يعلن رؤيته المتكاملة لسنواته الأربع، كفترة أولى فى الحكم.
إذ خرج الرئيس، ذات يوم من أيام الأسبوع قبل الماضى، ليقول إنه إذا كان هناك من يطالبه برؤية، أو يسأله عن رؤيته فى الحكم، فإن رؤيته هى الحفاظ على كيان الدولة.
وأظن أن الرئيس، فى هذه المرة أيضا، كان ولايزال فى أشد الحاجة إلى من ينبهه كذلك إلى أن مهمة الحفاظ على الدولة، من جانبه، ليست رؤية، أو بمعنى أدق ليست هى الرؤية التى يسأل عنها كثيرون، منذ تولى هو الحكم.. فهى هدف عظيم، وجليل، لا شك، غير أنه كهدف، لابد أن يأتى ضمن رؤية أكبر منه بالضرورة، وأشمل، تنقل البلاد، كما كان مطلوباً أيام الرئيس الأسبق، من نقطة نقف فيها هنا، إلى نقطة مختلفة كل الاختلاف هناك، وفى مدى زمنى محدد ومعلوم.
وإذا شئنا أن نضرب مثلاً عملياً، نقتدى به ونهتدى، فلن نجد أفضل من البرازيل، تحت حكم «لولا دا سيلفا» لثمانى سنوات، ثم تحت حكم الرئيسة الحالية «ديلما روسيف» لأربع سنوات، فلقد كان المشروع القومى الأكبر لديهما معاً، على طول 12 عاماً، هو القضاء على الفقر فى البلد، وهو ما حدث بالفعل، وكأنهما كانا يلمحانه متحققاً من بعيد، يوم قررا واحداً بعد الآخر، أن تكون هذه القضية هى مشروعهما القومى المتصل، ضمن رؤيتهما لما يجب أن تكون عليه البرازيل فى عالمها المعاصر!
ولذلك، فعندما وقفت «روسيف»، الخميس قبل الماضى، تلقى كلمتها فى بدء فترة ولايتها الثانية والأخيرة، لأربع سنوات قادمة، بشرت البرازيليين بأن ما عاش «سيلفا» من أجله، وما عاشت هى من بعده من أجله أيضاً، كهدف، قد تحقق، وأن دليل ذلك أن 40 مليونا من البرازيليين قد تجاوزوا خط الفقر فى 12 عاماً، وأنهم قد آن لهم أن ينتقلوا نحو هدف آخر، لأربع سنوات مقبلة، سوف يكون شعاره: البرازيل وطن للتعليم.
نريد من الرئيس، بالقياس، أن يعلن عنواناً لسنواته الأربع الأولى، وليكن هكذا: مصر وطن للتعليم.. أو ليكن كما يكون، فالمهم أن يكون التعليم فى القلب من الموضوع، لأنه لا نجاة لنا سواه!