سليمان جودة
فى سوريا أربع صحف يومية أساسية، أما الأولى فهى صحيفة «تشرين»، واسمها، كما ترمى، مأخوذ من نصر تشرين، الذى هو نصر أكتوبر عام 1973، والذى كانت سوريا شريكاً إلى جانبنا بالسلاح فيه.. أما الثانية فهى «البعث» التى تعبر عن حزب البعث الحاكم هناك، أما الثالثة فهى «الثورة» واسمها مأخوذ من الثورة التى قادها الرئيس حافظ الأسد، وتولى بعدها الحكم، فى بدء سبعينيات القرن الماضى.. وأما الأخيرة فهى «الوطن» وهو اسم موجود على صدر أكثر من صحيفة، فى أكثر من عاصمة عربية، وليس فى العاصمة دمشق وحدها.
وخلال أيامى فيها، كنت حريصاً على أن أبدأ اليوم بقراءة الصحف الأربعة من الجلدة إلى الجلدة، لأرى ماذا يقولون، على صفحاتها، وكيف يفكرون، وبماذا ينشغلون.
وفى أثناء الزيارة، كان عمران الزعبى، وزير الإعلام السورى، موجوداً فى طهران، ومن هناك نقلت الصحف الأربعة عنه التصريح التالى: أى حل للوضع فى بلادى يمس الشعب أو الحكومة أو الرئيس، هو حل ساقط!
وحين عاد كان لنا معه لقاء، فواجهته بأن كلامه، على نحو ما جاء فى الصحافة، يغلق أى باب للحوار مع المعارضة السورية السلمية غير المسلحة، لأنى أتصور ألا يكون هناك مساس بالشعب السورى، ولكنى لا أتصور أن تكون الحكومة، أو يكون الرئيس ذاته من حيث صلاحياته الحالية، بمنأى عن المس عند الرغبة الجادة فى الوصول لحل!
هو قال إنه لم يصرح بما جاء على لسانه، بالضبط، وإن كل ما يخص الحكومة أو الرئيس، مطروح لأى حوار تكون المعارضة الوطنية، السلمية، غير المسلحة، هى طرفه الآخر، مع مطلب مهم، هو أن يكون الحوار بين سورى وسورى، على مائدة واحدة، وألا يأتى أحد من المعارضة إلى المائدة، وفى ذهنه كلام مسبق يريد أن يفرضه.. وماعدا ذلك سهل ومتاح ولا مصادرة على أى شىء فيه.
وإذا كنت قد قلت فى هذا المكان، قبل أيام، إن العتاب السورى الأكبر علينا فى مصر، يظل حول عدم إلغاء قرار مرسى البائس بتخفيض مستوى العلاقات الرسمية، بين القاهرة ودمشق، من درجة سفير إلى درجة قائم بأعمال، فالعتاب الثانى حول أن تستضيف القاهرة مؤتمراً للمعارضة السورية، ثم لا تدعو الحكومة باعتبارها الطرف الثانى، إليه، وكأنها طرف غير موجود!.. ولابد أنه عتاب فى محله!
إن الرئيس السيسى موجود فى روسيا، اليوم، ومما جاء فى الإعلام عن الزيارة، نفهم أن سوريا ملف أساسى مطروح فى لقائه مع الرئيس الروسى، ومن المهم أن تعمل القاهرة إلى جوار موسكو، فى اتجاه طرح مبادرة لحل سياسى عملى مع وضع مائة خط تحت كلمة «عملى» لإنقاذ الشعب السورى والأرض السورية من إرهاب ينهشها من كل جانب!
لابد أن تكون القاهرة حاضرة هناك فى دمشق، وبقوة، لأن وجودها الحالى لا يرضيهم هناك، ولا يليق بنا، ولا بدورنا الواجب فى المنطقة، ولابد أن يكون حضوراً منسقاً مع كل عاصمة داخل المنطقة، أو خارجها، وصولاً إلى حل يوقف نزيف الدم السورى المتواصل، ثم لابد كذلك من الانتباه إلى أن الإصرار على إسقاط النظام الحاكم فى دمشق، كمدخل للحل، دون نظر إلى ما يجرى حوله على أرضه، قد يؤدى فى النهاية إلى سقوط الدولة نفسها وبقاء النظام على لا دولة.. وهذا ما لا يجب أبداً أن يكون!