سليمان جودة
أمس الأول.. ضرب الرئيس عدة عصافير بحجر واحد، عندما قرر البدء فى تنفيذ مشروع تنمية منطقة شرق بورسعيد!
فهو، أولاً، لم يشأ أن ينسب الفكرة فى المشروع لنفسه، ولكنه قال إنها تعود إلى عام 2002، ولكن التنفيذ فيها كان بطيئاً، وهو، ثانياً، قد وضع سقفاً زمنياً لتنفيذها هذه المرة، وقال إن السقف عامان، بما يعنى أن المشروع سوف يكون جاهزاً فى 28 نوفمبر 2017، ثم إنه، ثالثاً، قد أثار حماس المصريين، عندما قال إننا فى حاجة، ليس فقط إلى التحدى، وإنما إلى تحدى التحدى ذاته، لأننا نواجه ثالوثاً خطراً، من أول الإرهاب، ومروراً بالفساد، وانتهاءً بالوضع الاقتصادى الصعب.
توقفت فى مشروع شرق بورسعيد، أمام إصرار الرئيس على أن يجرى إنجازه فى عامين اثنين، أى فى ضِعف المدة التى جرى خلالها إنجاز قناة السويس الجديدة، لا أكثر!
توقفت أمام هذا فى المشروع، لأنه على بعضه يمثل دعوة جادة إلى كل مستثمر، ليأتى ويعمل على أرضنا، ومع مجيئه سوف نستفيد نحن قبل أن يستفيد هو كمستثمر، وسوف تكون استفادتنا فى شيئين اثنين أساسيين، أولهما ضرائب سوف تدخل خزانة الدولة من مُجمل أرباحه، وثانيهما من خلال فرص العمل التى سوف تتوفر بالضرورة، فى مشروعاته، لأن المستثمر.. أى مستثمر.. لا يأتى ليعمل بيديه!
وإذا كان لى أن أرجو الرئيس، فى شىء، وهو يطلق دعوته الصادقة هذه، فهذا الشىء هو أن ينقى الأجواء حولها، ويجعلها أجواء جاذبة للمستثمر فعلاً، لا طاردة!
إننى أصدّق الرئيس فى كل كلمة يقولها فى شأن الاستثمار، وفى شأن نواياه الخالصة فى هذا الاتجاه، ولكنى، عندما أتلفت حولى، أكتشف أن هناك فجوة بين ما يقال، وبين ما يحدث على الأرض.. هناك فجوة لأن التحفظ على أموال رجل مثل صفوان ثابت، مثلاً، يجعل ما يقال من الرئيس شيئاً، وما يجرى فى الواقع من جانب أجهزة الدولة شيئاً آخر مناقضاً.. ولستُ بالطبع ضد التحفظ كإجراء ضد أى شخص، ولكن بشرط أن يسبقه تحقيق عادل من الأجهزة المختصة، لا أن يأتى مفاجئاً كالقضاء والقدر.. ثم أتلفت حولى فأكتشف أن قراراً قد صدر بالتحفظ على أموال 18 شخصاً فى مشروع «نيو جيزة» مع أنه نشأ وفقاً لقانون الاستثمار، وهو قانون يحظر التحفظ على أموال المشروعات التى نشأت وفقاً لنصوصه!.. وأتلفت حولى فأكتشف أن تجريس واحد من كبار رجال الأعمال فى البلد، بعد القبض عليه فجراً، يدمر كل ما يقوله الرئيس عن حوافز الاستثمار، ويعطى رسالة سلبية تماماً لأى مستثمر يتطلع لأن يأتى إلينا.
لا أحد ضد أى إجراء، ضد أى شخص، ولكن فى حدود القانون العادل مرة أخرى، وفى حدود احترام آدمية الناس وحقوقهم، فالكلام وحده لا يُقنع المستثمر أبداً.. ولكن يقنعه الفعل الذى يراه بعينيه على الأرض، وتُقنعه الممارسات الإيجابية، لا الملاحقات، ولا المطاردات.. يقنعه أن يكون الكلام والفعل شيئاً واحداً.. لا أن يكونا شيئين!