سليمان جودة
فى منتصف رمضان، قرأت خبراً فى إحدى الصحف، عن حفل سحور دعا إليه جمال وعلاء مبارك، بحضور عدد من رموز نظام ما قبل 25 يناير 2011، مع عدد آخر من أصدقاء العائلة.
ورغم أنى توقفت أمام الخبر، للحظة، إلا أنى تجاوزته إلى غيره فى زحام الأخبار، وحين وجدتنى، بعدها بأيام، أمام واحد ممن قيل إنهم حضروا الحفل، سألته بحسن نية تماماً عمن حضر، وعن الأطعمة التى جرى تقديمها للمدعوين، وعن عددهم، وعن.. وعن.. فإذا بالرجل يقاطعنى مبتسماً وهو يقول، ما معناه، إن جمال وعلاء لا يمكن أن يقيما حفلاً للسحور، ولا للإفطار، لأنهما محبوسان!
وعندما سألت واحداً من أهل الشأن، عرفت أنهما فعلاً محبوسان، ولكن الذى فاجأنى، ولابد أنه سوف يفاجئ كثيرين، أن مدة حبسهما الاحتياطى قد انتهت منذ أكثر من شهرين، وأن بقاءهما، الآن فى الحبس، مخالف للقانون شكلاً ومضموناً!
ويعرف المتابعون لقضيتهما مع والدهما الرئيس الأسبق أنهما كانا قد جرى الإفراج عنهما بموجب حكم قضائى، وأنهما كانا قد راحا يمارسان حياتيهما الطبيعيتين شأن أى مواطن عادى، إلى أن قبلت المحكمة نقض الحكم، فأعيدا للحبس من جديد، تمهيداً لبدء المحاكمة مرة أخرى!
يومها قيل إن حساباً سوف يجرى للمدة التى قضاها كل منهما، من قبل، فى الحبس، وأنهما سوف يخرجان على الفور، إذا تبين أنهما قضيا فترة الحبس الاحتياطى كاملة.. ولكن ما حدث أن الفترة انقضت منذ شهرين وعدة أيام، دون الإفراج عنهما، رغم أن حساب الحكاية بالورقة والقلم لا يستغرق خمس دقائق!
لا أتكلم هنا عن أشخاص، ولا يعنينى الشخص أو اسمه فى الموضوع، ولكن ما يعنينى هو القانون كمبدأ.. القانون كفكرة.. القانون باعتباره حصناً للجميع، حكاماً ومحكومين.
لقد احتفل الإنجليز، على طول الشهر الماضى، بمرور 800 سنة على وضع وثيقة «الماجنا كارتا» عندهم، وكان أن أقاموا معرضاً فى لندن للنسخ الأربع المتبقية منها، وكان أن زار الأمير تشارلز، ولى العهد البريطانى، مقر المكتبة البريطانية التى شهدت المعرض، وكان أن راح يتفحص أوراق الوثيقة العتيقة فى إعجاب شديد!
الوثيقة التى وضعوها فى 15 يونيو 1215، كانت تقول إن لكل إنسان ثلاثة حقوق لا يجوز أن تكون موضع فصال: الحق فى الحياة، والحق فى الملكية الخاصة، ثم الحق فى عدم الحبس، أو الاعتقال، إلا فى إطار القانون.
ولايزال الإنجليز يعتبرون أن ديمقراطيتهم التى يشهد لها العالم، مرجعها إلى حرصهم عبر القرون الثمانية من عُمر تلك الوثيقة، على أن تظل حية فى حياة كل واحد فيهم، وعلى أن تظل الدماء تجرى فى شرايين كل مبدأ من مبادئها الثلاثة، خصوصاً ذلك المبدأ الأخير الذى يخص موضوعنا فى هذه السطور.
طبقوا، من فضلكم، القانون العادل على جمال وعلاء، وعلى غير جمال وعلاء، دون تفرقة، وسوف يكون البلد، لا الأشخاص، هو الرابح بكل تأكيد.