سليمان جودة
فى وقت سابق، كنت قد تلقيت رسالة من الدكتور عبدالغنى الإمام، الأستاذ بالجامعة الأمريكية، يقول فيها، إنه يشعر بنوع من الذنب كلما ذهب إلى محطة البنزين لتزويد سيارته بما تحتاجه، وكان سبب الشعور بالذنب عنده أنه يحس، فى كل مرة أنه يحصل على شىء ليس من حقه، عندما تبيع له المحطة كميات البنزين التى يحتاجها مدعومة من الدولة!
وكان اعتقاده يوم أن تلقيت رسالته، ونشرتها فى هذا المكان، أنه يرغب فى شراء بنزين سيارته بسعره الحقيقى، دون دعم، لأنه قادر مادياً على ذلك، وكان اعتقاده أيضاً أنه ليس الوحيد بالتأكيد فى هذا الطريق، وأن هناك كثيرين غيره بالملايين، يستطيعون شراء وقود سياراتهم، غير مدعوم، وهؤلاء جميعاً، لابد أنهم يستغربون كيف تصمم الحكومة، إلى اليوم، على أن تمنحهم دعماً ليسوا فى حاجة إليه، ولا يريدونه، ولم يطلبوه، ويبحثون عن طريقة لإبقائه فى خزانة الدولة، دون جدوى!
وقد بلغ حماس الدكتور عبدالغنى، فى رسالته وقتها، أنه تساءل بصدق: لماذا لا يكون فى كل محطة بنزين - مثلاً - صندوق حكومى لرد مثل هذا الدعم، بحيث يضع فيه كل مستهلك قادر، الفارق بين سعر اللتر، مدعوماً، وبين سعره غير مدعوم.. لماذا؟!.. تساءل الرجل، وقتها، بصدق بالغ، لعل أحداً فى الدولة، أو فى الحكومة، يأخذ بما يقوله، أو يأخذه ثم يطوره إلى ما هو أفضل منه، أو يخرج علينا ببديل، أو.. أو.. فالمهم أن نوقف إهدار المال فى دعم لا يحتاجه الحاصل عليه، ولا يرغب فيه، ومع ذلك تصر الدولة على أن تدعمه رغم أنفه!
الغريب أن الحكومة بعدها، رفعت أسعار البنزين بكل أنواعه، وعلى الجميع، دون أن تفرق بين سيارة ميكروباص، على سبيل المثال، سوف ينعكس رفع سعر البنزين عليها، على كل راكب محدود الدخل يستقلها من بيته لعمله، وبين سيارة أخرى، فخمة، لا يريد صاحبها دعماً، ولا يحتاجه، بل يرجو الحكومة، كما هو الأمر فى حالة الدكتور عبدالغنى، أن توقف دعمها عنه، ولكنها لا تسمعه!
وأمس الأول، تلقيت رسالة أخرى، من الرجل، تحمل فكرة ممتازة، ويتمنى صاحبها، وأنا معه، أن تجد فى الحكومة، وفى الدولة عموماً، من ينصت إليها، ثم يأخذ بها، خصوصاً أنها عملية، بل مطلوبة لنا أكثر من غيرنا، وأكثر من أى وقت مضى!
الفكرة تقول باختصار، إن علينا أن نبدأ، منذ الآن، فى إنشاء متحف لتاريخ الإرهاب، بحيث يؤرخ فى داخله، ويوثق بين جدرانه لهذه المرحلة التى نعيشها فى مواجهة إرهاب أعمى، وإلى أن تنتهى، إذ لابد أن يجىء يوم وتنتهى فيه، قريباً كان أو بعيداً!
المهم، أن تأتى الأجيال المقبلة، فتجد أنها مدعوة فى أيامها للمرور على مثل هذا المتحف، لترى فيه أى طريق بالضبط، مرت به مصر، إلى أن وصلت من خلاله عندهم، أقصد تلك الأجيال المقبلة، وأى حجم من التضحيات، دفع البلد، من حياة أبنائه، عسكريين ومدنيين، ليضمن لأجياله حياة فى المستقبل مختلفة!
إن فى جنوب أفريقيا متحفاً يروى لأجيالهم الحاضرة تضحيات فترة التفرقة العنصرية العصيبة، وليس هناك مواطن جنوب أفريقى ينعم بوضع بلاده اقتصادياً الآن إلا ويكون مطلوباً منه أن يمر على ذلك المتحف ليرى فيه، بالصورة وبغيرها، أن طريقاً صعباً جداً، قد مرت به بلاده، لتصل إلى ما هى عليه اليوم!
إننى أرجو المهندس محلب أن يتبنى فكرة كهذه، فما أحوجنا إليها حقاً، وإذا كان مجلس الوزراء قد قرر أخيراً إزالة مبنى الحزب الوطنى على الكورنيش، فلماذا لا يقام فى مكانه، متحف لتاريخ الإرهاب، يكون ملاصقاً لمتحفنا القديم هناك، ثم يكون شاهداً أمام التاريخ والأجيال، على ما عشناه وعانيناه؟!