صباح أمس الأول، كنت فى طريقى إلى 6 أكتوبر، مدعواً من إحدى الجامعات الخاصة، لحضور مؤتمر دعت هى إليه، عن الإعلام حيث هو الآن، ثم حيث يجب أن يكون.
فى الطريق إلى الجامعة، لاحظت أن أعمدة الإنارة لاتزال مضاءة على الجانبين، فى المسافة الطويلة الممتدة من ميدان جهينة إلى طريق الواحات، ثم على جانبى طريق الواحات ذاته!
وللدقة، فإن الوقت لم يكن صباحاً، وإنما كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهراً، فإذا عرفنا أن الشمس تشرق فى السادسة إلا الربع، وإذا افترضنا أن الأعمدة يجب إطفاؤها عند الشروق، يتبين لنا أنها ظلت تستهلك كهرباءها، دون فائدة، بامتداد ست ساعات كاملة!!
ومن جانبى، وقعت فى حيرة: هل أكتب عن الإعلام الرشيد الذى كانت الدكتورة الدجوى تبحث عنه دون جدوى، فى مؤتمرها، مع عدد من أساتذة الإعلام الكبار، أم أكتب عن الكهرباء التى لا نعرف الترشيد فى استهلاكها، ثم نشكو من انقطاعها فى كل ساعة؟!
وفى الحالتين، كان الإعلام لا يعرف الرشد فى المؤتمر، ولا الكهرباء تعرف الترشيد بامتداد الطريق إليه!
والمؤكد أنها ليست المرة الأولى التى ينبه فيها كثيرون بيننا إلى أن الحكومة يجب أن تراعى مبادئ الاستهلاك البديهية، فى كهرباء الطرق والشوارع، قبل أن تطالب الناس بها فى البيوت.. لقد قلت هذا، وقاله غيرى مراراً، وكأننا نخاطب حكومات أخرى فى دول مجاورة لا تسمعنا.
وحين فتحت الأهرام، فى اليوم التالى، قرأت العنوان الآتى: 7 مصانع عملاقة للأسمدة تتوقف عن العمل تماماً لنقص المازوت!.. وفى تفاصيل الخبر، فإن التفاصيل المحزنة مذكورة، وأسماء المصانع التى أغلقت أبوابها موجودة، مصنعاً.. مصنعاً!
وكنت أتصور، مع غيرى، أن انتظام التيار فى البيوت نسبياً، فى الأسابيع الأخيرة، معناه أن المشكلة تم حلها بشكل شامل، فإذا بحكاية المصانع السبعة تكشف لنا عن أن الحكومة قد أخذت الطاقية من فوق رأس هذا، كما يقال، ووضعتها فوق رأس ذاك.. وأن المصانع الكبيرة قد أظلمت فى اللحظة التى أضاءت فيها البيوت!
أعرف بالطبع أن الحكومة قد تكون معذورة، وأعرف أن المهندس إبراهيم محلب، يبذل كل ما عنده، غير أنها فى النهاية هى الحكومة، أى أنها مسؤولة عن المصانع، وغير المصانع!
وقد كان الكلام عن توقف مصانع كبيرة عن العمل يدور منذ فترة، ولكنى لم أكن أتخيل أن المشكلة بهذا الحجم المخيف، ولم أكن أتخيل أن المسؤولين قد أخذوا الغاز المخصص لمصانع كثيرة، وذهبوا به إلى محطات توليد الكهرباء للمنازل، متصورين، بذلك، أنهم قد أسكتوا الناس، وضمنوا رضاهم، وعدم سخطهم، دون أن ينتبهوا إلى أن توقف مثل هذه المصانع عن العمل معناه إطلاق المزيد من العاطلين فى الشوارع، فضلاً عن تراجع إجمالى الإنتاج، فى وقت نحن أحوج الناس فيه إلى كل كيلو إنتاج جديد من أى سلعة!
وعندما كتبت عن مصانع عز، مثلاً، فى هذا المكان، منذ فترة، وكيف أن قطع الغاز عنها يجب ألا يكون على سبيل الانتقام من صاحبها، لأن للدولة نفسها نصيباً فيها، قيل لى يومها، من جانب وزارة البترول، إنه قطع مؤقت من أجل الصيانة، ولفترة محددة، فإذا بحكاية المصانع السبعة، وغيرها، تشير إلى أن القطع المؤقت إياه غير صحيح، وأن المصانع فى أنحاء البلد تعانى إلى حد إغلاق الأبواب، وأن الحكومة حين واجهت أزمة فى كهرباء البيوت، فإنها نقلتها إلى مكان آخر هو المصانع، وكفى الله المؤمنين شر الكهرباء!!
ولايزال عندى يقين أن الكهرباء المتاحة لنا تكفينا، فى المصانع وفى البيوت معاً وتزيد، لو أننا عرفنا نوعاً من الرشد فى الاستهلاك، وكذلك الحال فى الماء نفسه الذى نبدده فى استهلاكنا، وكأننا أغنى الناس به فى العالم!
والمواطن لا يولد رشيداً فى استهلاكه، ولكنه يتعلم ذلك فى حياته: فى البيت، وفى المدرسة، وفى دار العبادة، وهو الشىء الغائب عنا تماماً، فإذا تلفت المواطن حوله، باحثاً عن قدوة، وجد الحكومة تدعوه، من خلال طريق الواحات إياه، إلى الإسراف على كل مستوى!