سليمان جودة
إذا جاء الإقبال على انتخابات البرلمان دون المستوى الذى نتمناه فسوف يكون الدكتور كمال الجنزورى هو المسؤول الأول عن ذلك، وسوف يكون على الدولة أن تحاسبه، إذا أرادت أن تحاسب أحداً!
أما لماذا هو، دون غيره، فلأنه ذهب منذ وقت مبكر إلى تشكيل قائمة انتخابية كان الانطباع الأول عنها، لدى الناس، أنها قائمة الحكومة، وقائمة الأمن، وقائمة المباحث، وهو انطباع لايزال قائماً للأسف وبكل قوة، حتى ولو حاول المسؤولون عنها، والأعضاء فيها، أن ينفوا ذلك فى كل صباح ومساء، لأنى أريد أن أصدقهم، فأجد فى ذلك استحالة، ولأنهم ربما لا يعرفون أن الانطباع الأول يدوم، ثم إن النفى فى كل مرة، لعلاقة أسس لها الجنزورى، يبدو وكأن صاحبه يتحسس بطحة على رأسه!
طبعاً لا ينفى هذا أن هذه القائمة قد لجأت فى مرحلة من مراحلها إلى الأحزاب، لتضم أعضاء محترمين منها إليها، وهؤلاء الأعضاء الحزبيون لا علاقة لهم بالطبع لا بالحكومة، ولا بالأمن، ولا بالمباحث، كما أنهم أعضاء مؤمنون بالضرورة بمبادئ وقيم أحزابهم، ويخوضون الانتخابات على أساسها.. ولكن ما العمل إذا كان الانطباع الأول هو الذى يدوم؟!
كان الجنزورى، فى فترة تشكيل هذه القائمة، فى أصلها الأول، يشكلها وهو مستشار للرئيس، وكان يمارس عملية تشكيلها من مكتب حكومى، وبتليفونات حكومية، ومن فوق أرض حكومية، وكانت الأحزاب الكبيرة كلما اشتكت من وضع منحرف من هذا النوع، رد الجنزورى بأن القائمة لا علاقة لها بالحكومة، وكان كلامه نظرياً تماماً، ولم يكن يعرف ماذا يُقال عن القائمة، ولا عما يفعله هو فيها، فى كل شارع، وكان الرجل يضحك على نفسه قبل أن يضحك على أى أحد سواه!
وحين كانت الانتخابات على وشك أن تنعقد، فى مارس الماضى، نزلت القائمة بلوحات دعائية لها فى الشارع، تحمل صور الرئيس، وكان هذا فى حد ذاته كافياً لمسح كل حرف قاله الجنزورى من قبل، عن أنها ليست قائمة الحكومة، والأمن، والمباحث، ولأن الرئيس كان أكبر من مثل هذه الألاعيب الصغيرة، التى تستغل اسمه، وترفع صورته، فقد طلب رفع الصورة، وتم رفعها فعلاً لتبدو القائمة عارية.. ولكن بعد ماذا؟!
هذا كله، على بعضه، أعطى انطباعاً لدى الناخب، منذ وقت مبكر جداً، أن الحكومة تريد المجىء بأشخاص محددين إلى مجلس النواب، وكان كل مواطن يتابع هذا العبث يظل يتساءل: إذا كانت الحكومة تريد ذلك فلماذا لا تصدر قراراً بتعيينهم، وهذا حقها، بدلاً من أن تضعهم فى قائمة انتخابية، بينما هم فى الحقيقة معينون!.. وكان أن أدى ذلك إلى شحنة من الإحباط لدى الناخب، الله وحده أعلم بما إذا كان سوف يستطيع أن يتخلص منها ويذهب للصناديق أم لا.. وكان السبب فى هذا كله، وفى الارتباك الذى شهدته الساحة السياسية فى إجمالها هو كمال الجنزورى شخصياً.
وعندما ابتعد هو عنها، بعد أن انكشف الموضوع بكامله أمام الرأى العام، تصورت الدولة أن الموضوع انتهى، وهو ما لم يحدث، لأن الأمر أصبح مثل شخص خلع جلباباً وارتدى قميصاً وبنطلوناً، متصوراً بسذاجة أن الناس لن تعرفه!
بقى أن أهدى هذه الواقعة إلى الدكتور كمال، وإلى كل واحد يكون حريصاً بالفعل على مستقبل هذا الوطن.. والواقعة هى أنى سألت عضواً فى القائمة إياها، يوم اكتمالها، عما إذا كان يضمن نجاحها، وعما إذا كان يأمن انقلاب الناخب عليها، فكان رده أن كارنيه عضويته فى مجلس النواب المقبل صدر، وفى جيبه!