سليمان جودة
جاءتنى رسالتان إحداهما من الأستاذ محمود عبدالله، رئيس الشركة القابضة للتأمين، فيما قبل 30 يونيو 2012، تعقيباً على لقاء له مع الرئيس فى نيويورك، كنت قد تناولته فى هذا المكان.
وربما يلاحظ القارئ الكريم أن هذا التاريخ هو اليوم الذى تولى فيه محمد مرسى الحكم، ففيه رأى محمود عبدالله، ببصيرة لديه، أن المستقبل مع وجود الإخوان فى السلطة لا يبشر بأى خير، فدعا الجمعية العمومية للشركة للانعقاد، وأعلن أمامها أنه اختار أن يبتعد، ثم خرج من البلد كله إلى الولايات المتحدة، حيث عاش ولايزال، وحيث يرى أنه يخدم بلده فى اتجاهات كثيرة، ليس أولها الاقتصاد، ولا آخرها الثقافة أو الإعلام.
الرجل كما فهمت من رسالته يتردد على القاهرة دائماً، ولا تنقطع صلته بها، وقد يكون فى مكانه الحالى أكثر قدرة على إفادة بلده فى أكثر من اتجاه، وهو لايزال يذكر كيف أن الرئيس حين التقاه مع مصريين آخرين فى نيويورك، آخر الشهر الماضى، قد أعلن لهم أنه يعتز بمصريتهم، وأنه يقدر نجاحهم فى أماكنهم، وأنه حريص على إيجاد وسيلة للتواصل الدائم بينهم، حيث هم، وبين بلدهم الأم.
وإذا كان الأستاذ عبدالله قد غادر البلد برغبته، وإذا كان لايزال يتردد عليه، وإذا كان قد قرر أن يبتعد دون أن يكون عليه شىء، فهناك آخرون غيره غادروا فى تلك الأيام، أو حتى قبلها، ولايزالون مشردين فى الأرض، ولاتزال مصر أحوج أمم الأرض إليهم، ولايزال القائمون على الأمر عندنا الآن فى حاجة شديدة لأن يبحثوا عن طريقة يعود بها هؤلاء المغتربون جميعاً إلى البلد، ماداموا غير مدانين فى شىء.
هؤلاء يجب أن يعودوا، لأنهم كلهم أصحاب خبرات وتجارب يستفيد منها حالياً أى بلد فى العالم، إلا أن يكون هذا البلد هو مصر، رغم أنها أولى، وأشد حاجة إلى خبرة وتجربة كل واحد فيهم، ورغم أنها هى التى كانت قد أنفقت عليهم، من لحمها الحى، ليصلوا إلى ما وصلوا إليه!
وأما الرسالة الثانية، فمن الأستاذ أحمد أبوشادى الذى كان زميلاً فى وقت من الأوقات للدكتور يوسف بطرس، وللدكتور محمد العريان، فى صندوق النقد الدولى فى واشنطن، وكان الثلاثة يعملون هناك معاً، وهو يشهد بأن يوسف بطرس كان متفوقاً للغاية فى عمله، وكان راغباً فى أن يبقى فى العاصمة الأمريكية، حيث مقر الصندوق، ولم يكن يرغب فى العودة إلى القاهرة، لولا إلحاح شديد من العم بطرس بطرس غالى، وبقدر ما كان إلحاح العم فاتحة خير فى البداية، فى حياة الحفيد يوسف بطرس، الذى ارتقى فى مواقع كثيرة فى عدة حكومات، بدءاً من حكومة عاطف صدقى، بقدر ما كان الإلحاح شؤماً فى النهاية كما نرى، دون أن يقصد العم بطبيعة الحال!
وأكاد أتخيل موقع يوسف بطرس، الآن، لو كان قد بقى هناك، ولو كان قد قرر ألا يستجيب لإلحاح العم بطرس الكبير، إذ من الجائز أننا كنا سنراه، هذه الأيام، فى الموقع ذاته الذى فاز به الدكتور حازم الببلاوى، مديراً تنفيذياً للصندوق!
ويحلو لى، فى أحيان كثيرة، أن أقارن بين مصير بائس انتهى إليه يوسف بطرس، لا لشىء، إلا لأنه قرر يوماً أن يخدم بلده فى موقع عام، وبين حال مختلف يعيشه رجل مثل محمد منصور، وزير النقل الأسبق، الذى استقال فى اللحظة الأخيرة، ونجا بنفسه مما كان من الممكن أن يصيبه من عبث ما بعد يناير 2011!
نجا محمد منصور، رغم أن كثيرين وقتها كانوا يعيبون عليه استقالته، ويطالبونه بالبقاء، لولا أن الأقدار، فيما يبدو، كانت قد همست فى أذنيه بما لم يكن يراه وبأن يغادر، ومعه كان قد غادر متطوعاً فى الفترة نفسها تقريباً الدكتور محمود محيى الدين إلى البنك الدولى، وهو رجل كما نعرف، لا شىء عليه، ومع ذلك لا نراه فى مصر، منذ تركها، وأظن أن السلطات المختصة فى القاهرة، فى حاجة إلى بيان من سطرين، تقول فيه إن محيى الدين ليس عليه شىء، وبوضوح، فلقد آن الأوان، لتعتدل أمور كثيرة اختلطت فيها الأوراق، فى زحام ثورتين!