سليمان جودة
فى آخر زيارة له إلى سوريا ، كان أحمد داوود أوغلو ، رئيس وزراء تركيا الحالى، يحمل طلباً محدداً إلى الحكومة فى دمشق!
وقتها، كان أوغلو وزيراً للخارجية، وكان ذلك قبل بدء الرياح العاتية، التى تضرب الأرض السورية من كل اتجاه حالياً، وكان الوزير التركى يحمل رسالة من رئيس وزرائه فى ذلك الوقت، أردوغان، وكانت الرسالة تطلب، بصراحة، إشراك الإخوان فى الحكم!
الطلب نفسه تطور لاحقاً، ودخل عليه تعديل شكلى، خصوصاً من جانب إدارة الرئيس أوباما، وأصبح كالآتى: دمج الإخوان فى العملية السياسية!
والتعديل الذى دخل عليه لم يحدث إلا اضطراراً، وإلا بعد أن فشل الإخوان فى الحكم، وإلا بعد أن لفظهم المصريون إلى غير رجعة، فأصبح الشعار الأمريكى الإخوانى أن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله!
غير أن الطلب التركى الواضح من الحكومة فى سوريا، منذ وقت مبكر، لا يجب أن يغيب عن أذهاننا، لأنه يفسر لنا أشياء كثيرة جرت بعدها، على طريقة ما يحدث فى السينما، عندما يأتى لك المخرج بمشهد من دقائق، فى بداية الفيلم، يفسر أمامك، فيما بعد، أحداث العمل الفنى كله، من بدايته إلى النهاية بامتداد ساعتين!
هذا الطلب الذى كان أوغلو يحمله، والذى واجه رفضاً قاطعاً فى دمشق، يشرح لنا ويبين أن حالة الجنون التى لاتزال تصيب أردوغان، كلما جاءت سيرة للإخوان أمامه، ليست لحظية، ولا هى بنت وقتها، وإنما هى حالة معبرة عن خيبة أمل كبرى، أصابته فى مشروع حياته السياسى، الذى كان قد أقنع الإدارة الأمريكية به، والذى كان يبنى عليه كل آماله فى الحكم!
وهذا الطلب ذاته يجعلنا نفهم، الآن، بطريقة «الفلاش باك» السينمائية، لماذا كانت أول زيارة قام بها أوباما، بعد فوزه بالرئاسة فى بلاده، عام 2008، إلى تركيا تحديداً؟!
وهذا الطلب التركى المبكر من سوريا، والذى قد ننساه، فى زحام ما حولنا من أحداث، بامتداد ما يقرب من خمس سنوات مضت، يسلط أضواء كافية حول الأسباب التى كان أردوغان من أجلها يستعجل تخلى مبارك عن الحكم، فى فبراير 2011، فلقد كان الإخوان جاهزين فى جيبه.. جيب أردوغان.. ومن ورائه فى جيب أوباما وإدارته الحاكمة!
وهذا الطلب نفسه، الذى ردته سوريا فى وجه أردوغان، يفسر لك أسباب مجىء المنضمين إلى داعش فى سوريا، من داخل تركيا، وعبر الحدود التركية وحدها.. فالمسكين فى أنقرة لايزال يتصور أن ما لم يحصل عليه، عن طريق الإخوان فى سوريا، وفى غيرها من بلاد العرب، يمكن أن يتاح له عن طريق «داعش»!.. وهل ننسى أن يوسف القرضاوى قال بعظمة لسانه إن «أبوبكر البغدادى»، زعيم تنظيم داعش الإرهابى، كان إخوانياً فى شبابه؟!.. لا.. لا يجب أن ننسى أبداً، وعلينا أن نربط الأشياء بعضها ببعض!