فى لقاء مع الدكتور حازم الببلاوى، قبل نحو شهر من الآن، سألته عما إذا كان يرى حلاً لمسائل بيننا تبدو بلا حل.. ومنها، مثلاً، مشكلة مبنى ماسبيرو، وكيف أن 43 ألف موظف وعامل فيه أصبحوا يمثلون معضلة أمام كل باحث عن حل هناك!
وكان رأى الدكتور الببلاوى أنه ظل يبحث، طوال فترة وجوده فى رئاسة الوزراء، عن حل لمعضلة من هذا النوع، وأنه أصبح، فى النهاية الآن، مقتنعاً بأنه لا حل سوى أن تتوقف الدولة تماماً عن تعيين أى موظف أو عامل فى المبنى، لسنوات عشر على الأقل، بحيث يتآكل العدد من تلقاء نفسه، بخروج أعداد كبيرة منهم إلى المعاش.
هو، كما ترى، حل عملى، وممكن، لولا أنه يدل، فى جانب منه، على أن مشاكل محددة من بين مشاكلنا المزمنة قد وصلت إلى حد أنه لا حل معها سوى أن نتركها لعامل الزمن وحده، يفعل فيها أثره الحتمى!
تذكرت ما سمعته من رئيس الوزراء السابق، مرتين، مرة عندما قرأت، السبت الماضى، خطاباً على الصفحة الأخيرة من «المصرى اليوم» موجهاً من أستاذنا صلاح عيسى، وفيه يطلب من الرئيس التدخل العاجل لإنقاذ المؤسسات الصحفية القومية التى بلغت أحوالها العامة حدوداً تنذر بالخطر، وتهدد وجودها ذاته!
والمرة الثانية عندما قرأت، صباح أمس، على الصفحة قبل الأخيرة، من «المصرى اليوم» أيضاً، مناشدات إلى الرئيس، من المجلس الأعلى للصحافة، ومن نقيب الصحفيين، بأن هذه المؤسسات فى حاجة إلى 2 مليار جنيه فوراً!
وفى المرتين كان الكلام عن رغبة فى ضخ هذا القدر الهائل من المال العام، فى مؤسساتنا القومية، دون أن يكون هناك، فى المقابل، شىء يضمن أن تتوقف الخسائر النازفة فيها، بما يعنى أننا لو افترضنا أن الدولة استجابت، وضخت المليارين، أو أى مبلغ آخر، فسوف يذوب ويتلاشى أثره، بعد فترة، وسوف تجد المؤسسات نفسها، أنها تعود وتطلب عوناً من جديد.
هنا.. أحيل جميع الأطراف، إلى شيئين، أولهما ما كنت قد سمعته من الدكتور الببلاوى، وذكرته حالاً، وكيف أنه يمكن أن يكون صالحاً، كله، أو فى جزء منه، كدواء مُر لبعض هذه المؤسسات، ثم الشىء الثانى هو ما كتبه الزميل «نيوتن»، أمس الأول، فى عموده اليومى، تحت عنوان: هل المطلوب هو دعم الفشل؟!
أحيل الدولة، ومعها سائر أطراف العملية برمتها، إلى الشيئين، لأن فيهما حلاً عملياً يمكن الأخذ به، كله كما قلت، أو حتى بعضه.. إذ المهم أن يكون هناك حل مطروح، يتوازى مع مناشدات الإغاثة، وأن نأخذ به، على الفور، وإلا فسوف تكتشف الدولة أنها تُلقى مالها هناك، إذا ما قررت أن تعطى فى بئر بلا قاع!
نقطة البدء هى أن يكون لدى الدولة حرص على أن يكون على رأس هذه المؤسسات قيادات إدارية على أعلى مستوى فى مجالها، ثم قيادات صحفية، من بين المواهب الصحفية القوية التى لا خلاف حولها، وعندها يمكن الكلام عن غوث، أو عن إغاثة، لأنك سوف تكون على يقين، عندئذ، كدولة، من أن المؤسسات سوف «تشيل» نفسها بنفسها، فى مدى زمنى منظور، بل وسوف تربح، وكل ما قبل ذلك إنما هو إضاعة للوقت، وللجهد، وللمال العام!
إننى، من جانبى، أحرص على وجود صحف مثل «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية» حرصى على وجود الأهرامات الثلاثة ذاتها، وأراها كلها رموزاً لا يجوز التفريط فيها، تحت أى ظرف، ولكنى فى الوقت ذاته، لا أفهم أبداً سر التمسك بإصدارات لا معنى لها، ولا قراء، ولا هدف، ومع ذلك فإنها تصدر حول الصحف الثلاث، وبعيداً عنها، ثم يكون صدورها فى كل أسبوع نموذجاً حياً لإهدار المال العام، وإلقائه كاملاً فى التراب!
إذا لم تبادر مؤسساتنا الصحفية القومية إلى إجراءات حقيقية على الأرض، من نوع ما سمعته من الدكتور الببلاوى، ومن نوع ما قرأته لـ«نيوتن»، صباح أمس الأول، فى هذه الجريدة، فسوف يظل طلب دعمها بـ2 مليار جنيه هو فى حقيقته دعوة إلى إهدار 2 مليار جنيه، جنيهاً وراء جنيه!