سليمان جودة
أنا مستعد لأن أصدق أن التعليم يمثل أولوية عند الرئيس.. مستعد لأن أصدق ذلك، بل مستعد لأن أبصم عليه، ثم إنى مستعد لأن أدعمه لأبعد حد.. غير أنى، فى الوقت نفسه، أدعوك بكل أمانة إلى أن تحاول فهم معنى ما يلى:
فلقد وافق مجلس الوزراء، حسب تصريح صادر عن الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، على اعتماد خمسة مليارات جنيه لتنفيذ المرافق فى العاصمة الإدارية الجديدة، وهى بالمناسبة مليارات خمسة مدرجة فى الميزانية الحالية للدولة!
سوف تسألنى: وماذا فى ذلك؟!.. وسوف أقول إنه لا شىء فى ذلك أبداً، بل لا شىء فى أن نخصص ضعف هذا الرقم للعاصمة إياها، إذا كانت هذه المبالغ الضخمة زائدة عن حاجتنا، أو إذا كنا لا نحتاج المليارات الخمسة، وبإلحاح، فى مكان آخر يدعونا الحال فيه إلى أن نخجل من أنفسنا.
وسوف تسألنى عن هذا المكان الآخر، فأرجوك أن تعود إلى لقاء الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم، مع الصحافة يوم الأحد الماضى.
ماذا قال الوزير يومها؟!.. قال الرجل أرقاماً لابد أن تمثل وجيعة لكل مسؤول لديه ضمير فى هذا البلد، ولابد لأى مسؤول، عنده إحساس بالمسؤولية تجاه وطنه، ألا ينام بعدها.
قال الوزير الشربينى إن الكثافة فى مدارس الجيزة وصلت إلى 120 تلميذاً فى الفصل الواحد!.. وهو معدل كثافة ليس موجودا فى مزارع الفراخ.. نعم.. ففى أى مزرعة دجاج لا يمكن لصاحبها أن يضع 120 دجاجة فى أى مساحة تعادل مساحة الفصل فى مدارسنا!
سيادة الرئيس: كيف تنام وأنت تعرف أن 120 من أبنائك محشورون فى كل فصل من فصول مدارس الجيزة، وفى الوقت نفسه تسمح بأن تنفق الدولة، وبموافقتك، خمسة مليارات على العاصمة الجديدة؟!.. أيهما أولى يا سيادة الرئيس؟!.. بناء سبعة آلاف مدرسة قال الوزير إننا فى حاجة عاجلة إليها لتصل الكثافة إلى المعدل المعقول، أم تخصيص خمسة مليارات جنيه لمرافق العاصمة الجديدة؟!
كيف يأتيك النوم، يا سيادة الرئيس، وأنت ترى هذا الخلل الفادح فى أولوياتك، بعينيك، ثم توافق عليه، وتباركه، ولا توقفه على الفور؟!
نبنى سبعة آلاف مدرسة، أو حتى نصف العدد، أو ربع الرقم، ليتلقى أبناؤك الأطفال تعليمهم فى فصول آدمية، فيذكر التاريخ ذلك لك فيما بعد، أم نبنى عاصمة إدارية جديدة، ونخصص لها، ابتداءً، خمسة آلاف مليون جنيه؟!.. كيف تنام يا سيادة الرئيس بينما هذا الخلل، بكل ما فيه من بشاعة، قائم فى البلد، وتحت مسؤوليتك وأنت قادر على إصلاحه فوراً لو أردت؟!
يجوز أنك، يا سيادة الرئيس، لم تكن تعرف خللاً بهذه الفداحة، ولذلك أبرئ نفسى وأضعه بكل بشاعته بين يديك، لعلك تبرئ نفسك أنت أيضاً من وضع لا يليق بك أن تراه، وتعرفه، ثم تسكت.. لا يليق بك أبداً!