سليمان جودة
ربما لاحظ الذين تابعوا حديث الرئيس فى الكلية الحربية، عن عجز الموازنة العامة للدولة، وعن أزمتنا الاقتصادية، وعن تبرعه بنصفى راتبه وثروته، أنه عندما تكلم عن تبرعات المواطنين قال إنها سوف تخضع لإشراف مستقل، ثم استدرك سريعاً ليقول إنها سوف تخضع لإشرافه شخصياً!
ربما لاحظ كثيرون ذلك بوضوح، وهو شىء مهم لا يجب أن يفوتنا معناه أبداً، لأن استدراك الرئيس سريعاً بهذه الطريقة قد بدا وكأنه رغبة من جانب الرجل فى أن يقول لنا، إن التبرع هذه المرة مختلف عن كل مرة سابقة تبرع فيها المصريون، لسبب وجيه جداً، هو أن التبرعات كلها سوف تكون تحت إشرافه هو.. أى تحت إشراف رجل يثق فيه كل واحد فينا، وهذا فى حد ذاته مهم لأبعد حد، كما سوف نرى حالاً!
مهم لأبعد حد، لأن تجربة المصريين مع التبرعات من هذا النوع، مريرة، كما أنها مليئة بالمواجع، فلانزال نذكر إلى اليوم أن حساباً قد جرى فتحه قبل 25 يناير 2011، لتعمير سيناء، وقد تبرع الناس وقتها، وسواء كانت التبرعات التى دخلت الحساب كثيرة أو قليلة، فلا أحد يعرف إلى اليوم حجمها ولا أين ذهبت ولا فى جيب من بالضبط استقرت؟!
لقد مضت على الموضوع سنوات وسنوات، وبقيت سيناء فى أغلبها على حالها، واختفى الحساب الذى كان قد انفتح من أجلها، ومعه الفلوس التى دخلت فيه، ولم يتطوع أحد فى الدولة، فى ذلك الحين، ولا الآن، ليقول للذين تبرعوا ولغيرهم كلمة واحدة عن مصير تلك الأموال حتى لو كانت جنيهاً واحداً!
وفيما بعد 25 يناير، قامت حملة إعلامية تدعو إلى الاستغناء عن المعونة الأمريكية، وصاح بعضنا مطالباً بفتح حساب لجمع تبرعات تغنينا عن هذه المعونة، ولم يُكذِّب الشيخ محمد حسان خبراً، ففتح حساباً بالفعل، وجمع فيه مالاً، ثم اختفى هو مع الحساب ومع المال، وكتب كثيرون يتساءلون عن مصير الأموال التى جمعها الشيخ حسان، خصوصاً أنها بعشرات الملايين ولكنه لم يرد بحرف واحد ولا تطوع أحد فى الدولة ليطمئن الذين تبرعوا على تبرعاتهم، وفى كل مرة كان التساؤل يثار حول الأموال التى جمعها «الشيخ» حسان واختفى معها، كان هو لا يرد ولا يصد، ولابد أن هذه مرة ليست أخيرة، نتساءل فيها اليوم عن أموال «الشيخ» وأين ذهبت، لعله يرد ويبرئ ذمته، أو لعل أحداً فى الدولة يغار على المال العام، فيتطوع بالرد!
وفى وقت قريب، انفتح حساب آخر هو «306306»، وقيل إن أموالاً دخلت إليه بمئات الملايين، ولكن حاله، مع الأسف، لم يكن أفضل من حالات سبقته، وقد كان الأمل أن يخرج مسؤول يعنيه الأمر فى الدولة على الناس، فيقول إن هذا الحساب قد جمع كذا من المال، وإن هذا الرقم من المال إنما هو تحت إشراف الجهة الفلانية، وإن كل ما فيه سوف يذهب بالقرش والمليم للإنفاق على الموضوع الفلانى، دون غيره من الموضوعات، حتى يشعر الذين تبرعوا، عند اكتمال الموضوع محل الإنفاق، بأنهم قد تبرعوا حقاً، وبأن تبرعاتهم كان لها أثر حى على الأرض، وبأنها لم تذهب هباء!
هذه تجارب ثلاث، لابد أن تكون فى الذهن، ونحن نفتح حساباً جديداً هو: «037037» ليتلقى التبرعات التى دعا إليها الرئيس، وأولها تبرعه هو!
وأظن أن إشرافه «شخصياً» عليه سوف يكون له أثر مختلف تماماً، لأننا نتكلم، والحال هكذا، عن رجل صادق مع نفسه ومعنا، ثم إنه محل ثقة مطلقة من المصريين.