سليمان جودة
على الطائرة من دبى إلى القاهرة، كان الدكتور سامى عبدالعزيز يطالع صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، ثم، وبشكل تلقائى، وجد نفسه ينزع ورقة من الجريدة بعد أن طالعها، ليحتفظ بها فى جيبه.. فما الذى كان فيها واستوقفه إلى هذا الحد؟!
كان فيها موضوعان، أما أحدهما فكان ينقل تفاصيل اجتماع عقده الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبى، ونائب رئيس الدولة الإماراتية، مع عدد من موظفى وعمال محطات الكهرباء والمياه، ضمن ما يطلق عليه مثقفونا أنه جلسة «عصف ذهنى».. أى أنها جلسة للبحث والتنقيب عن كل ما هو جديد فى رأس كل واحد من أجل هدف واحد، هو تجديد الأفكار، وتطوير إمكانات البشر، ثم تطوير أدائهم بالتالى.
القصة فى الموضوع ليست فى أن الشيخ محمد قد عقد جلسة من هذا النوع، الذى لا يكاد يعرفه إلا المثقفون، فما أكثر الجلسات التى تنعقد كهذه عندنا فى كل يوم!
القصة التى لفتت انتباه الدكتور سامى، ولابد أن تلفت انتباهك، بمثل ما شدت انتباهى حين حكى لى الموضوع، أن حاكم دبى، الذى هو الرجل الأول فى الإمارة، والرجل الثانى فى الدولة كلها، عقد اجتماعه، ليس مع قادة تلك الشركات، ولا حتى مع قادة الفكر والرأى فى بلده، أو بمعنى أدق فى إمارته، وإنما عقدها مع موظفين عاديين، ومع عمال عاديين.. أى مع الذين يتعاملون مع الجمهور بشكل مباشر، ويومياً!
ولابد أن الذين تعاملوا مع مثل هؤلاء الموظفين والعمال عندنا، وفى شركاتنا ومؤسساتنا العامة، سوف يدركون ماذا بالضبط يعنى انعقاد اجتماع كهذا بين حاكم إمارة تخطط هذه الأيام لإنشاء أكبر مول فى العالم على مساحة 48 مليون متر مربع، وبين عدد من عماله وموظفيه، فهؤلاء العمال والموظفون هم فى النهاية المحرك الأساسى لأى مؤسسة، لا رئيسها، ولا قائدها، وعندما تتطور الأفكار فى عقولهم، وهو ما أراده الشيخ محمد من وراء اجتماعه معهم، فسوف ينعكس ذلك بالضرورة، وتتم ترجمته مباشرة، مع كل الذين سوف يكون عليهم أن يتعاملوا مع شركات الكهرباء أو المياه هناك!
الموضوع الثانى، كان يحكى عن استعدادات دبى لماراثون خيرى سوف ينعقد عندهم، فى ديسمبر المقبل، من أجل مرضى الكبد الوبائى فى مصر.
والقصة، مرة أخرى، ليست فى انعقاد ماراثون كهذا، فما أكثر الماراثونات التى انعقدت مثله وسوف تنعقد، وإنما القصة فى أنه سوف يكون فى ديسمبر، وأنهم يجهزون له قبل انعقاده بعام كامل!.. فلأنها دبى، فهى تريد للماراثون، كما تريد لغيره من أعمالها، أن يأتى كما يقول الكتاب!
بالنسبة لى، لا يبدو الأمر جديداً ولا غريباً على دبى، فلقد كنت فيها فى مارس الماضى، ورأيت بعينى كيف أنهم يستعدون عملياً لاستخدام طائرات دون طيار فى تقديم الخدمات العامة للمواطنين!
سألنى د. سامى: ما رأيك؟!، قلت: رأيى أنه لا شىء فى دبى، بشكل خاص، ولا فى غير دبى، بشكل عام، يأتى من فراغ!