إذا أنت استعرضت فى ذهنك ضربات الإرهاب التى أصابتنا، منذ 30 يونيو 2013 إلى اليوم، فسوف يتبين لك أن الأساسى منها كان موجهاً إلى قواتنا المسلحة دون سواها وبقصد، وأن ما عدا هذا الأساسى يظل مجرد تفاصيل، عند المقارنة بينهما!
هنا.. وبعد التفجيرات الأخيرة فى سيناء، لابد أن تسأل نفسك: لماذا استهداف جيشنا بالأساس، ولماذا يمثل الجيش المصرى هذا الهاجس الضاغط لدى الذين يخططون للإرهاب، ويمولون، ويوجهون؟!
هل لأن الجيش يتصدى للإرهاب بقوة منذ 30 يونيو ويصمم على أن يقضى عليه؟!
يجوز أن يكون هذا من بين الأسباب، غير أنه فى ظنى ليس السبب الأساسى، لأن أجهزة الدولة كافة، وفى مقدمتها الشرطة على سبيل المثال، تقاوم الإرهاب، أياً كان مكانه، وبالقوة نفسها، والعزيمة ذاتها.. فلماذا الجيش تحديداً؟!
هل لأنه استعصى على محاولات الأخونة طوال العام الذى حكم فيه الإخوان؟! ربما أيضا.. غير أن هذا كذلك لا يبدو أنه السبب الأساسى، الذى يجعل من قواتنا المسلحة هدفاً لإرهابٍ لا يعرف ديناً، ولا يراعى أخلاقاً، على حد تعبير الدكتور بشر الخصاونة، سفير الأردن فى القاهرة، فى رسالة له نشرتها فى هذا المكان قبل يومين!
السبب، فى تقديرى، أن هذا الجيش، الذى يتربع فى وجدان كل مصرى مخلص لوطنه، كان هو الذى بدد مشروعاً سياسياً جرى إعداده للمنطقة، وليس لمصر وحدها، وهو مشروع طالما دبر له أصحابه، فى داخل البلاد وخارجها، منذ سنين، ولا علاقة له بطبيعته، بالوطنية كفكرة، ولا كمعنى، من قريب ولا من بعيد!
وإلا.. فإن عليك أن تسأل نفسك هذا السؤال: ماذا لو لم يقرر الجيش الانحياز إلى إرادة الملايين من المصريين فى 30 يونيو؟!.. وبمعنى آخر أدق، فإن عدم انحيازه إلى رغبة الملايين من المواطنين، فى ذلك التاريخ، وبقاء الإخوان فى الحكم، بالتالى كان معناه أن يستمر المشروع إياه فى طريقه المرسوم، وأن يكون الجيش عندئذ بمأمن من مثل هذه العمليات التى تستهدفه، غير أن الجيش، كمؤسسة عسكرية وطنية، لو كان يفكر بمنطق مصلحته هو، كمؤسسة، لكان من الجائز عندئذ أن يكسب نفسه، ثم يخسر وطنه، وهو ما لا يتفق مع تاريخه، ولا عقيدته الوطنية الراسخة، بأى معنى.
اللافت للانتباه بقوة، أن الجيش الذى انحاز للمصريين فى 25 يناير، هو ذاته الذى انحاز إلى المصريين أنفسهم فى 30 يونيو، ومع ذلك، فانحيازه هناك جميل، وموضع مدح ومقبول ومشكور، ولكن انحيازه هنا على عكس ذلك كله تماما!
لماذا؟!.. لأن انحيازه هناك كان قد فتح الطريق أمام أصحاب المشروع، الذى تم إعداده سلفاً، دون أن يكون ذلك، بالطبع، مقصودا من جانبه، فالانحياز من ناحيته، فى 25 يناير، كان إلى المصريين فى عمومهم، ولم يكن لأجل مصلحة فصيل بعينه بينهم، راح يتصور أن الجيش المصرى، بكل تراثه، يمكن أن يقف متفرجاً، بينما البلد يجرى اختطافه لصالح غير أبنائه ومواطنيه!
انحيازه هنا، فى 30 يونيو، كان من أجل أن تعود مصر لأبنائها، كل أبنائها، وإذا كان بعض هؤلاء الأبناء قد اختاروا أن يخرجوا عن أن يكونوا ضمن المجموع المصرى، فليكن، فهذا هو اختيارهم الذى عليهم أن يتحملوا مسؤوليته، وعواقبه.
أريد أن أقول، إن انحياز الجيش لمواطنيه، خصوصا فى 30 يونيو، قد عطل مشروعاً سياسياً ضخماً، سوف تتكشف تفاصيله أكثر، مع مرور الأيام، وهو لم يعطله، وفقط، وإنما عرَّاه أمام كل مصرى، بما أدى إلى انكشافه، وبالتالى سقوطه.
وعندما يكون الانحياز الوطنى للجيش مربكاً للحسابات إلى هذا الحد، فمن الطبيعى أن يفقد أصحاب المشروع عقولهم، وأن يضربوا عشوائياً فى كل ركن، وأن يستهدفوا المؤسسة التى عطلت، ووأدت، وكشفت، ولم تكن وهى تعطّل، وتئد، وتكشف، وتلعب سياسة، كما يروّج هذا أو ذاك، ولكنها كانت تلعب وطنية بأى معيار!