سليمان جودة
تساءلت فى هذا المكان، صباح أمس الأول، عما إذا كانت الدولة تعاقب نفسها، عندما تقرر قطع الغاز عن شركة حديد عز الدخيلة، ابتداء من 15 أغسطس المقبل، أم تعاقب أحمد عز نفسه؟!
ولم أكن على يقين من سبب القطع ودواعيه، ولذلك طلبت ممن يعنيهم الأمر أن يوضحوا الحكاية للناس حتى يطمئنوا إلى أن مثل هذا القطع، حين يحدث مع عز، أو مع غيره، إنما تحركه أسباب موضوعية، لا شخصية، ويقوم على أسس واضحة وعادلة، لا على ضغائن فى النفوس. وما كادت السطور ترى النور، حتى علمت من الأستاذ حمدى عبدالعزيز، المتحدث الرسمى لوزارة البترول، أن القطع سوف يدوم شهراً، لا أكثر، وأن قراره تم اتخاذه بالتوافق مع القائمين على أمر الشركة، وليس فى غيبة عنهم، وأنه يتم مع جميع الشركات، بشكل دورى، وليس مع «عز الدخيلة» وحدها، وأن الهدف هو إجراء صيانة وقائية للأنابيب لابد منها، وأن الوزارة استجابت للشركة فى حالة عز، وقررت ألا يكون القطع كاملاً، خلال الشهر المحدد مسبقاً، وأن يستمر الإمداد بالغاز فى حدود 15٪ من الكمية المعتادة، لإبقاء الأفران ساخنة على حالتها. مهم إذن أن تُقال الحقيقة للرأى العام أولاً بأول، حتى نقطع الطريق على أى شائعات يمكن أن تنشط، وأن تروج وتسود، إذا ما غابت الحقائق، ولم توضح كما هى، دون رتوش، أمام كل مواطن.
ومهم أيضاً أن نعلم أن كميات الغاز التى تتوفر من عمليات القطع هذه عن شركة عز وغيرها، يتم توجيهها مباشرة إلى محطات توليد الكهرباء التى تعانى نقصاً فى وقودها المُتاح، لأن فجوة قامت عندنا بين حجم ما تنتجه حقولنا، وبين ما نحتاجه فعلاً من وقود، على مدى سنوات ثلاث مضت.
ثم إنه مهم، للمرة الثالثة، أن نعرف أن الوزارة قد بدأت فى تدارك الفجوة هذه الأيام، ومنذ أشهر مضت، وربما تكون حقول الغاز الجديدة التى كشفت عنها أجهزة الوزارة قبل أسبوع خطوة من خطوات فى هذا الاتجاه.
وما فهمته من كلام المتحدث باسم الوزارة، أننا سوف نظل نعانى نقصاً فى كميات الوقود التى يجب أن تذهب كاملة لمحطات الكهرباء، من الآن وإلى بداية عام 2017، فعندها سوف يتوازن إنتاجنا، حين يسترد عافيته مع استهلاكنا.
ومن هنا إلى بداية 2017، ليس أمامنا سبيل آخر سوى البحث عن بدائل، وهى متاحة لنا والحمد لله، ومتمثلة فى خلايا الطاقة الشمسية التى بدأنا نسمع عنها ونراها فوق مبنى حكومى هنا وآخر هناك.
فعندما زار رئيس الحكومة محافظة الأقصر، مؤخراً، كان قد ذهب إليها من أجل هذا الغرض تحديداً، غير أنه لا يليق بنا أن تكون عندنا كل هذه الشمس الحارقة بامتداد مليون كيلومتر مربع، هى مساحة البلد، ثم يكون كل ما نحصل عليه من طاقتها فى الأقصر كلها، حتى الآن، شيئاً متواضعاً للغاية، ولا يضىء سوى مائة لمبة فى مبنى المحافظة، مع قدر آخر يسير يكفى لتشغيل جهازى تكييف بالكاد فى مكتب المحافظ!
لا يليق.. فبالأمس قالت محافظة الجيزة إنها هى الأخرى بدأت زراعة خلايا شمسية فوق مبناها، وإن الطاقة المولدة منها أضاءت 30٪ من المبنى الإدارى، وإن ذلك كله يأتى فى إطار قرار لمجلس الوزراء بإقامة 1000 محطة شمسية فوق المبانى الحكومية.
لا يليق لأنها بدايات متواضعة للغاية، قياساً على ما هو مُتاح لنا من طاقة الشمس على مدار كل يوم، وبامتداد العام كله، ثم قياساً أيضاً على ما هو موجود عندنا من إمكانات فى هذا الطريق يمكن أن تجعلنا لو أحسنا استغلالها وإدارتها، مركز تصدير للطاقة إلى الدول من حولنا!
هل نعلم، مثلاً، أن المواطن الذى يكتوى آخر كل شهر بفاتورة الكهرباء يمكن له بشىء من النظام المحكم والتوعية الجادة من جانب الحكومة، أن يحصل فى نهاية الشهر نفسه، على فلوس من حكومته بدلاً من أن يدفع لها؟! إنها قصة أخرى على كل حال، ولكنها حقيقة، وليست خيالاً، وتعرفها بيوت كثيرة فى ألمانيا، الآن، وعلى يد عالم مصرى اسمه إبراهيم سمك، وهو رجل نحن أولى به فى كل الأحوال!