سليمان جودة
إلقاء القبض على 32 عنصراً من بين منفذى عملية الهجوم على لنش القوات البحرية في البحر المتوسط، يظل أمراً فارقاً في هذه العملية الغريبة كلها، لأننا إذا كنا سوف نستطيع أن نعرف من خلال كل واحد فيهم معلومات فاصلة عنهم، فالأهم ليس أن نعرف مَنْ هم، وإنما أن نعرف: مَنْ وراءهم؟!
إننى أستطيع أن أخمن عدة أسباب لما جرى من تطور جديد في نوعه، فهذه هي المرة الأولى التي يقع فيها هجوم في البحر علينا، وبهذا الشكل، منذ ثورة 30 يونيو، ومنذ أن أعلنها الإخوان حرباً علينا.
غير أننى أتوقف عند سببين أساسيين أتخيلهما، وأرى أن لهما علاقة من نوع ما بما حدث.
أما أولهما فهو الحصار شبه الكامل من جانب جيشنا العظيم لسيناء كلها، وخصوصاً بعد السيطرة على الشريط الحدودى مع قطاع غزة بامتداد 13 كيلومتراً.
عندها، أظن أن هؤلاء الإرهابيين، الذين هاجمونا في البحر، قد أحسوا أو أحس زملاء لهم بأنهم بين طرفى كماشة في سيناء، وأن تلك المنطقة التي كانوا يمرحون فيها على الحدود لم تعد كما كانت، وأنها تضيق عليهم قليلاً قليلاً حتى صاروا كالفئران في المصيدة، فلم يجدوا مفراً من الفرار من البر إلى البحر، ولم يجدوا مفراً من أن يجربوا معنا في الماء ما كانوا قد اعتادوا أن يمارسوه معنا فوق الأرض، فكانت قواتنا البحرية في انتظارهم هناك، وكانوا أن وجدوا أنفسهم قيد الحبس، ثم قيد التحقيق، ثم قيد الاعتراف الذي لابد منه، وليس عنه بديل.
وأما السبب الثانى فهو قمة القاهرة، اليونان، قبرص، التي أظن أيضاً أنها قد أقلقت أطرافاً بعينها في الإقليم من حولنا، والتى أظن كذلك أن الذين راقبوا انعقادها، ثم نتائجها، قد أدهشهم أن نستطيع، وسط تلال همومنا ومشاغلنا الداخلية، أن نذهب في علاقتنا في محيطنا إلى هذا المدى من التنسيق الإقليمى، ثم التشاور، ثم الفعل التالى لكل ذلك بالضرورة!
إن مشهد التقاء الرئيس السيسى مع رئيس وزراء اليونان، مع رئيس قبرص، على مائدة واحدة، ثم ظهورهم الثلاثة وهم متشابكو الأيدى معاً، لابد أن يكون قد بعث برسالة إلى سماء المنطقة بأن مصر تعود تدريجياً إلى ممارسة دور لا يستطيع غيرها أن يمارسه، ولا تستطيع هي أن تتخلى عنه، لأنه دور طبيعى، ولأنه متسق مع نفسه، ولأن التاريخ يفرضه، ولأن الجغرافيا تمليه، ثم إنه ليس مصنوعاً بأى حال!
هو دور بطبيعته لا يريح كثيرين، ولابد أن هؤلاء الكثيرين المعروفين لنا والذين يكادون يبلغون عن أنفسهم بسلوكهم مع القاهرة في كل صباح، سوف يظلون يكيدون لهذا الدور، وسوف يظلون يحاولون أن ينالوا منه، وسوف يظلون يحاولون تعطيله أو توقيفه إذا استطاعوا!
هذا كله مفهوم، ولابد أن نستوعبه، بل أن نتوقعه، ثم نكون جاهزين له، وأتصور أن الطريقة التي تعاملت بها قواتنا البحرية مع مهاجميها تقول إننا كنا جاهزين، وإن قواتنا كانت مستعدة ويقظة، وإنها كانت في انتظارهم حين طرقوا الباب.. ويبقى فقط بعد انتهاء التحقيقات معهم، أن نعلن نتائجها على الناس، قدر ما هو ممكن، لسبب بسيط هو أن يعرف كل مصرى فينا أين عدوه من صديقه فيمن حولنا.